خاص شأن المعجزات المشهودة مثل عصا موسى وناقة صالح وبرء الأكمة ، فهو يتلى ، ومن ضمن تلاوته الآيات التي تحدّت الناس بمعارضته وسجلت عليهم عجزهم عن المعارضة من قبل محاولتهم إياها فكان كما قال فهو معجزة باقية والمعجزات الأخرى معجزات زائلة.
المزية الثانية : كونه مما يتلى ، فإن ذلك أرفع من كون المعجزات الأخرى أحوالا مرئية لأن إدراك المتلوّ إدراك عقلي فكري وهو أعلى من المدركات الحسية فكانت معجزة القرآن أليق بما يستقبل من عصور العلم التي تهيأت إليها الإنسانية.
المزية الثالثة : ما أشار إليه قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً) فإنها واردة مورد التعليل للتعجيب من عدم اكتفائهم بالكتاب وفي التعليل تتميم لما اقتضاه التعبير بالكتاب وب (يُتْلى عَلَيْهِمْ) ، فالإشارة ب (ذلِكَ) إلى (الْكِتابَ) ليستحضر بصفاته كلها وللتنويه به بما تقتضيه الإشارة من التعظيم. وتنكير (رحمة) للتعظيم ، أي لا يقادر قدرها. فالكتاب المتلو مشتمل على ما هو رحمة لهم اشتمال الظرف على المظروف لأنه يشتمل على إقامة الشريعة وهي رحمة وصلاح للناس في دنياهم ، فالقرآن مع كونه معجزة دالّة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ومرشدة إلى تصديقه مثل غيره من المعجزات وهو أيضا وسيلة علم وتشريع وآداب للمتلو عليهم وبذلك فضل غيره من المعجزات التي لا تفيد إلا تصديق الرسول الآتي بها.
المزية الرابعة : ما أشار إليه قوله : (وَذِكْرى) فإن القرآن مشتمل على مواعظ ونذر وتعريف بعواقب الأعمال ، وإعداد إلى الحياة الثانية ، ونحو ذلك مما هو تذكير بما في تذكره خير الدارين ، وبذلك فضل غيره من المعجزات الصامتة التي لا تفيد أزيد من كون الآتية على يديه صادقا.
المزية الخامسة : أن كون القرآن كتابا متلوا مستطاعا إدراك خصائصه لكل عربي ، ولكل من حذق العربية من غير العرب مثل أئمة العربية ، يبعده عن مشابهة نفثات السحرة والطلاسم ، فلا يستطيع طاعن أن يزعم أنه تخيلات كما قال قوم فرعون لموسى : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) [الزخرف : ٤٩] وقال تعالى حكاية عن المشركين حين رأوا معجزة انشقاق القمر : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر : ٢] ، فأشار قوله : (يُعْرِضُوا) إلى أن ذلك القول صدر عنهم في معجزة مرئية.
وعلق بالرحمة والذكرى قوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) للإشارة إلى أن تلك منافع من القرآن