أفادت الفاء تفريع ما بعدها على ما قبلها ، والمفرع عليه محذوف ليس هو واحد من الأخبار المتقدمة بخصوصه ولكنه مجموع ما تدل عليه قوة الحديث عنهم وما تقتضيه الفاء. والتقدير : هم أي المشركون على ما وصفوا به من الغفلة عن دلائل الوحدانية وإلغائهم ما في أحوالهم من دلائل الاعتراف لله بها لا يضرعون إلا إلى الله فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ، فضمائر جمع الغائبين عائدة إلى المشركين.
وهذا انتقال إلى إلزامهم بما يقتضيه دعاؤهم حين لا يشركون فيه إلها آخر مع الله بعد إلزامهم بموجبات اعترافاتهم فإنهم يدعون أصنامهم في شئون من أحوالهم ويستنصرونهم ولكنهم إذا أصابهم هول توجهوا بتضرعهم إلى الله.
وإنما خصّ بالذكر حال خوفهم من هول البحر في هذه الآية وفي آيات كثيرة مثل ما في سورة يونس وما في سورة الإسراء لأن أسفارهم في البر كانوا لا يعتريهم فيها خوف يعم جميع السفر لأنهم كانوا يسافرون قوافل ، معهم سلاحهم ، ويمرون بسبل يألفونها فلا يعترضهم خوف عام ، فأما سفرهم في البحر فإنهم يفرقون من هوله ولا يدفعه عنهم وفرة عدد ولا قوة عدد ، فهم يضرعون إلى الله بطلب النجاة ولعلهم لا يدعون أصنامهم حينئذ. فأما تسخير المخلوقات فما كانوا يطمعون به إلا من الله تعالى ، وأيضا كان يخامرهم الخوف عند ركوبهم في البحر لقلة إلفهم بركوبه إذ كان معظم أسفارهم في البراري.
وقد تقدم تعدية الركوب بحرف (في) عند قوله (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) في سورة هود [٤١]. والإخلاص : التمحيض والإفراد.
و (الدِّينَ) : المعاملة. والمراد به هنا الدعاء ، أي ادعوا الله غير مشركين معه أصنامهم. ويفسر ذلك قوله (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ).
فجيء بحرف المفاجأة للدلالة على أنهم ابتدروا إلى الإشراك في حين حصولهم في البر ، أي أسرعوا إلى ما اعتادوه من زيارة أصنامهم والذبح لها. والمفاجأة عرفية بحسب ما يقتضيه الإرساء في البر والوصول إلى مواطنهم فكانوا يبادرون بإطعام الطعام عند الرجوع من السفر.
واللام في (لِيَكْفُرُوا) لام التعليل وهى لام كي وهي متعلقة بفعل (يُشْرِكُونَ). والكفر هنا ليس هو الشرك ولكنه كفران النعمة بقرينة قوله (بِما آتَيْناهُمْ) فإن الإيتاء بمعنى الإنعام وبقرينة تفريعه على (يُشْرِكُونَ) فالعلة مغايرة للمعلول وكفران النعمة مسبب عن