و (الْمَلَأَ) : الجماعة أولو الشأن ، وتقدم عند قوله تعالى (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) أي نوح في الأعراف [٦٠] ، وأراد بهم أهل دولة فرعون : فالمعنى : أن أولي الأمر يأتمرون بك ، أي يتشاورون في قتلك. وهذا يقتضي أن القضية رفعت إلى فرعون وفي سفر الخروج في الإصحاح الثاني : «فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يقتل موسى». ولما علم هذا الرجل بذلك أسرع بالخبر لموسى لأنه كان معجبا بموسى واستقامته. وقد قيل : كان هذا الرجل من بني إسرائيل. وقيل : كان من القبط ولكنه كان مؤمنا يكتم إيمانه ، لعل الله ألهمه معرفة فساد الشرك بسلامة فطرته وهيأه لإنقاذ موسى من يد فرعون.
والسعي : السير السريع ، وقد تقدم عند قوله (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) في سورة طه [٢٠]. وتقدم بيان حقيقته ومجازه في قوله (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) في سورة الإسراء [١٩]. وجملة (يَسْعى) في موضع الحال من (رَجُلٌ) الموصوف بأنه من (أَقْصَى الْمَدِينَةِ). و (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) يتشاورون. وضمن معنى (يهمون) فعدي بالباء فكأنه قيل : يأتمرون ويهمّون بقتلك.
وأصل الائتمار : قبول أمر الآمر فهو مطاوع أمره ، قال امرؤ القيس :
ويعدو على المرء ما يأتمر
أي يضره ما يطيع فيه أمر نفسه. ثم شاع إطلاق الائتمار على التشاور لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع ، قال تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق : ٦].
وجملة (قالَ يا مُوسى) بدل اشتمال من جملة (جاءَ رَجُلٌ) لأن مجيئه يشتمل على قوله ذلك.
ومتعلق الخروج محذوف لدلالة المقام ، أي فاخرج من المدينة.
وجملة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) تعليل لأمره بالخروج. واللام في قوله (لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) صلة ، لأن أكثر ما يستعمل فعل النصح معدى باللام. يقال : نصحت لك قال تعالى (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) في السورة التوبة [٩١] ووهما قالوا : نصحتك. وتقديم المجرور للرعاية على الفاصلة.
والترقب : حقيقته الانتظار ، وهو مشتق من رقب إذا نظر أحوال شيء. ومنه سمي المكان المرتفع : مرقبة ومرتقبا ، وهو هنا مستعار للحذر.