والأمة : الجماعة الكثيرة العدد ، وتقدم في قوله تعالى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) في البقرة [٢١٣]. وحذف مفعول (يَسْقُونَ) لتعميم ما شأنه أن يسقى وهو الماشية والناس ، ولأن الغرض لا يتعلق بمعرفة المسقي ولكن بما بعده من انزواء المرأتين عن السقي كما في «الكشاف» تبعا «لدلائل الإعجاز» ، فيكون من تنزيل الفعل المتعدّي منزلة اللازم ، أو الحذف هنا للاختصار كما اختاره السكاكي وأيده شارحاه السعد والسيد. وأما حذف مفاعيل (تَذُودانِ) ـ (لا نَسْقِي) ـ (فَسَقى لَهُما) فيتعين فيها ما ذهب إليه الشيخان. وأما ما ذهب إليه صاحب «المفتاح» وشارحاه فشيء لا دليل عليه في القرآن حتى يقدر محذوف وإنما استفادة كونهما تذودان غنما مرجعها إلى كتب الإسرائيليين.
ومعنى (مِنْ دُونِهِمُ) في مكان غير المكان الذي حول الماء ، أي في جانب مباعد للأمة من الناس لأن حقيقة كلمة (دون) أنها وصف للشيء الأسفل من غيره. وتتفرع من ذلك معان مجازية مختلفة العلاقات ، ومنها ما وقع في هذه الآية. ف (دون) بمعنى جهة يصل إليها المرء بعد المكان الذي فيه الساقون. شبّه المكان الذي يبلغ إليه الماشي بعد مكان آخر بالمكان الأسفل من الآخر كأنه ينزل إليه الماشي لأن المشي يشبه بالصعود وبالهبوط باختلاف الاعتبار.
ويحذف الموصوف ب (دون) لكثرة الاستعمال فيصير (دون) بمنزلة ذلك الاسم المحذوف.
وحرف (مِنَ) مع (دون) يجوز أن يكون للظرفية مثل (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩]. ويجوز أن يكون بمعنى (عند) وهو معنى أثبته أبو عبيدة في قوله تعالى (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠]. والمعنى : ووجد امرأتين في جهة مبتعدة عن جهة الساقين.
و (تَذُودانِ) تطردان. وحقيقة الذود طرد الأنعام عن الماء ولذلك سموا القطيع من الإبل الذود فلا يقال : ذدت الناس ، إلا مجازا مرسلا ، ومنه قوله في الحديث «فليذادن أقوام عن حوضي» الحديث.
والمعنى في الآية : تمنعان إبلا عن الماء. وفي التوراة : أن شعيبا كان صاحب غنم وأن موسى رعى غنمه. فيكون إطلاق (تَذُودانِ) هنا مجازا مرسلا ، أو تكون حقيقة الذود طرد الأنعام كلها عن حوض الماء. وكلام أئمة اللغة غير صريح في تبيين حقيقة هذا. وفي سفر الخروج : أنها كانت لهما غنم ، والذود لا يكون إلا للماشية. والمقصود من حضور