واحتج مالك بقوله (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) على أن للأب إنكاح ابنته البكر بدون إذنها وهو أخذ بظاهرها إذ لم يتعرض لاستئذانها. ولمن يمنع ذلك أن يقول : إن عدم التعرض له لا يقتضي عدم وقوعه.
وقوله (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) يريد الصالحين بالناس في حسن المعاملة ولين الجانب. قصد بذلك تعريف خلقه لصاحبه ، وليس هذا من تزكية النفس المنهي عنه لأن المنهي عنه ما قصد به قائله الفخر والتمدح ، فأما ما كان لغرض في الدين أو المعاملة فذلك حاصل لداع حسن كما قال يوسف (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥].
و (أَشُقَّ عَلَيْكَ) معناه : أكون شاقا عليك ، أي مكلفك مشقة ، والمشقة : العسر والتعب والصعوبة في العمل. والأصل أن يوصف بالشاق العمل المتعب فإسناد (أَشُقَ) إلى ذاته إسناد مجازي لأنه سبب المشقة ، أي ما أريد أن أشترط عليك ما فيه مشقتك. وهذا من السماحة الوارد فيها حديث : «رحم الله امرا سمحا إذا باع ، سمحا إذا اشترى ..».
وجملة (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) حكاية لجواب موسى عن كلام شعيب. واسم الإشارة إلى المذكور وهو (أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) إلى آخره. وهذا قبول موسى لما أوجبه شعيب وبه تم التعاقد على النكاح وعلى الإجارة ، أي الأمر على ما شرطت علي وعليك. وأطلق (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) مجازا في معنى الثبوت واللزوم والارتباط ، أي كل فيما هو من عمله.
و (أَيَّمَا) منصوب ب (قَضَيْتُ). و (أي) اسم موصول مبهم مثل (ما). وزيدت بعدها (ما) للتأكيد ليصير الموصول شبيها بأسماء الشرط لأن تأكيد ما في اسم الموصول من الإبهام يكسبه عموما فيشبه الشرط فلذلك جعل له جواب كجواب الشرط. والجملة كلها بدل اشتمال من جملة (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) لأن التخيير في منتهى الأجل مما اشتمل عليه التعاقد المفاد بجملة (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ).
والعدوان بضم العين : الاعتداء على الحق ، أي فلا تعتدي علي. فنفى جنس العدوان الذي منه عدوان مستأجره. واستشهد موسى على نفسه وعلى شعيب بشهادة الله.
وأصل الوكيل : الذي وكل إليه الأمر ، وأراد هنا أنه وكل على الوفاء بما تعاقدا عليه حتى إذا أخل أحدهما بشيء كان الله مؤاخذه. ولما ضمن الوكيل معنى الشاهد عدي بحرف (عَلَيَ) وكان حقه أن يعدى ب (إلى).