وعلى ذلك جرى اصطلاح المسلمين في تحديد المواقع الجغرافية ومواقع الأرضين ، فيكون الأيمن يعني الغربي للجبل ، أي جهة مغرب الشمس من الطور. ألا ترى أنهم سموا اليمن يمنا لأنه على يمين المستقبل باب الكعبة وسموا الشام شاما لأنه على شآم المستقبل لبابها ، أي على شماله ، فاعتبروا استقبال الكعبة ، وهذا هو الملائم لقوله الآتي (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) [القصص : ٤٤].
وأما جعله بمعنى الأيمن لموسى فلا يستقيم مع قوله تعالى (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) [طه : ٨٠] فإنه لم يجر ذكر لموسى هناك.
وإن حمل على أنه تفضيل من اليمن وهو البركة فهو كوصفه ب (الْمُقَدَّسِ) في سورة النازعات [١٦] (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً).
و (الْبُقْعَةِ) بضم الباء ويجوز فتحها هي القطعة من الأرض المتميزة عن غيرها. و (الْمُبارَكَةِ) لما فيها من اختيارها لنزول الوحي على موسى. وقوله (مِنَ الشَّجَرَةِ) يجوز أن يتعلق بفعل (نُودِيَ) فتكون الشجرة مصدر هذا النداء وتكون (مِنْ) للابتداء ، أي سمع كلاما خارجا من الشجرة. ويجوز أن يكون ظرفا مستقرا نعتا ثانيا للواد أو حالا فتكون (مِنْ) اتصالية ، أي متصلا بالشجرة ، أي عندها ، أي البقعة التي تتصل بالشجرة.
والعريف في (الشَّجَرَةِ) تعريف الجنس وعدل عن التنكير للإشارة إلى أنها شجرة مقصودة وليس التعريف للعهد إذ لم يتقدم ذكر الشجرة ، والذي في التوراة أن تلك الشجرة كانت من شجر العلّيق (وهو من شجر العضاه) وقيل : هي عوسجة والعوسج من شجر العضاه أيضا. وزيادة (أَقْبِلْ) وهي تصريح بمضمون قوله (لا تَخَفْ) في سورة النمل [١٠] لأنه لما أدبر خوفا من الحية كان النهي عن الخوف يدل على معنى طلب إقباله فكان الكلام هنالك إيجازا وكان هنا مساواة تفننا في حكاية القصتين ، وكذلك زيادة (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) هنا ولم يحك في سورة النمل وهو تأكيد لمفاد (وَلا تَخَفْ). وفيه زيادة تحقيق أمنه بما دل عليه التأكيد ب (إن) وجعله من جملة الآمنين فإنه أشد في تحقيق الأمن من أن يقال : إنك آمن كما تقدم في قوله تعالى (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سورة البقرة [٦٧].
وقوله (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) خفي فيه محصل المعنى المنتزع من تركيبه فكان مجال تردد المفسرين في تبيينه ، واعتكرت محامل كلماته فما استقام محمل إحداها إلا وناكده محمل أخرى. وهي ألفاظ : جناح ، ورهب ، وحرف (مِنَ). فسلكوا طرائق لا توصل إلى مستقر. وقد استوعبت في كلام القرطبي والزمخشري. قال بعضهم :