السماء أن أمر (هامانُ) وزيره أن يبني له صرحا يبلغ به عنان السماء ليرى الإله الذي زعمه موسى حتى إذا لم يجده رجع إلى قومه فأثبت لهم عدم إله في السماء إثبات معاينة ، أراد أن يظهر لقومه في مظهر المتطلب للحق المستقصي للعوالم حتى إذا أخبر قومه بعد ذلك بأن نتيجة بحثه أسفرت عن كذب موسى ازدادوا ثقة ببطلان قول موسى عليهالسلام.
وفي هذا الضغث من الجدل السفسطائي مبلغ من الدلالة على سوء انتظام تفكيره وتفكير ملئه ، أو مبلغ تحيله وضعف آراء قومه.
و (هامانُ) لقب أو اسم لوزير فرعون كما تقدم آنفا. وأراد بقوله (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أن يأمر (هامانُ) العملة أن يطبخوا الطين ليكون آجرا ويبنوا به فكني عن البناء بمقدماته وهي إيقاد الأفران لتجفيف الطين المتخذ آجرا. والآجرّ كانوا يبنون به بيوتهم فكانوا يجعلون قوالب من طين يتصلب إذا طبخ وكانوا يخلطونه بالتبن ليتماسك قبل إدخاله التنور كما ورد وصف صنع الطين في الإصحاح الخامس من سفر الخروج.
وابتدأ بأمره بأول أشغال البناء للدلالة على العناية بالشروع من أول أوقات الأمر لأن ابتداء البناء يتأخر إلى ما بعد إحضار مواده فلذلك أمره بالأخذ في إحضار تلك المواد التي أولها الإيقاد ، أي إشعال التنانير لطبخ الآجرّ. وعبر عن الآجرّ بالطين لأنه قوام صنع الآجرّ وهو طين معروف. وكأنه لم يأمره ببناء من حجر وكلس قصدا للتعجيل بإقامة هذا الصرح المرتفع إذ ليس مطلوبا طول بقائه بإحكام بنائه على مرّ العصور بل المراد سرعة الوصول إلى ارتفاعه كي يشهده الناس ، ويحصل اليأس ثم ينقض من الأساس.
وعدل عن التعبير بالآجرّ ، قال ابن الأثير في «المثل السائر» : لأن كلمة الآجرّ ونحوها كالقرمد والطوب كلمات مبتذلة فذكر بلفظ الطين اه. وأظهر من كلام ابن الأثير : أن العدول إلى الطين لأنه أخف وأفصح.
وإسناد الإيقاد على الطين إلى هامان مجاز عقلي باعتبار أنه الذي يأمر بذلك كما يقولون : بنى السلطان قنطرة وبنى المنصور بغداد.
وتقدم ذكر هامان آنفا وأنه وزير فرعون. وكانت أوامر الملوك في العصور الماضية تصدر بواسطة الوزير فكان الوزير هو المنفذ لأوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوهم ، كل فيما يليق به.
والصرح : القصر المرتفع ، وقد تقدم عند قوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) في