بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [القصص : ٤٤]. وهذا الاحتجاج بما علمه النبي صلىاللهعليهوسلم من خبر استدعاء موسى عليهالسلام للمناجاة. وتلك القصة لم تذكر في هذه السورة وإنما ذكرت في سورة أخرى مثل سورة الأعراف.
وقوله (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) كلمة (لكِنْ) بسكون النون هنا باتفاق القراء فهي حرف لا عمل له فليس حرف عطف لفقدان شرطيه : تقدم النفي أو النهي ، وعدم الوقوع بعد واو عطف. وعليه فحرف (لكِنْ) هنا لمجرد الاستدراك لا عمل له وهو معترض. والواو التي قبل (لكِنْ) اعتراضية.
والاستدراك في قوله (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ناشئ عن دلالة قوله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) على معنى : ما كان علمك بذلك لحضورك ، ولكن كان علمك رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك.
فانتصاب (رَحْمَةً) مؤذن بأنه معمول لعامل نصب مأخوذ من سياق الكلام : إما على تقدير كون محذوف يدل عليه نفي الكون في قوله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) ، والتقدير : ولكن كان علمك رحمة منا ؛ وإما على المفعول المطلق الآتي بدلا من فعله ، والتقدير : ولكن رحمناك رحمة بأن علمناك ذلك بالوحي رحمة ، بقرينة قوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً).
ويجوز أن يكون (رَحْمَةً) منصوبا على المفعول لأجله معمولا لفعل (لِتُنْذِرَ) فيكون فعل (لِتُنْذِرَ) متعلقا بكون محذوف هو مصب الاستدراك. وفي هذه التقادير توفير معان وذلك من بليغ الإيجاز. وعدل عن : رحمة منا ، إلى (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) بالإظهار في مقام الإضمار لما يشعر به معنى الرب المضاف إلى ضمير المخاطب من العناية به عناية الرب بالمربوب.
ويتعلق (لِتُنْذِرَ قَوْماً) بما دل عليه مصدر (رَحْمَةً) على الوجوه المتقدمة. واللام للتعليل. والقوم : قريش والعرب ، فهم المخاطبون ابتداء بالدين وكلهم لم يأتهم نذير قبل محمدصلىاللهعليهوسلم ، وأما إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام فكانا نذيرين حين لم تكن قبيلة قريش موجودة يومئذ ولا قبائل العرب العدنانية ، وأما القحطانية فلم يرسل إليهم إبراهيم لأن اشتقاق نسب قريش كان من عدنان وعدنان بينه وبين إسماعيل قرون كثيرة.
وإنما اقتصر على قريش أو على العرب دون سائر الأمم التي بعث إليها النبيصلىاللهعليهوسلم ، لأن المنة عليهم أوفى إذ لم تسبق لهم شريعة من قبل فكان نظامهم مختلا غير مشوب