عليهم المغلوبية فكان ذلك أدل على عجزهم وأثبت في إعجاز القرآن.
وهذا من التعليق على ما تحقق عدم وقوعه ، فالمعلق حينئذ ممتنع الوقوع كقوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١]. ولكونه ممتنع الوقوع أمر الله رسوله أن يقوله. وقد فهم من قوله (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) ومن إقحام (فَاعْلَمْ) أنهم لا يأتون بذلك البتة وهذا من الإعجاز بالإخبار عن الغيب.
وجاء في آخر الكلام تذييل عجيب وهو أنه لا أحد أشد ضلالا من أحد اتبع هواه المنافي لهدى الله.
و (مَنْ) اسم استفهام عن ذات مبهمة وهو استفهام الإنكار فأفاد الانتفاء فصار معنى الاسمية الذي فيه في معنى نكرة في سياق النفي أفادت العموم فشمل هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم وغيرهم. وبهذا العموم صار تذييلا وهو كقوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) في سورة البقرة [١٤٠].
وأطلق الاتباع على العمل بما تمليه إرادة المرء الناشئة عن ميله إلى المفاسد والأضرار تشبيها للعمل بالمشي وراء السائر ، وفيه تشبيه الهوى بسائر ، والهوى مصدر لمعنى المفعول كقول جعفر بن علبة :
هواي مع الركب اليمانين مصعد
وقوله (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) الباء فيه للملابسة وهو في موضع الحال من فاعل (اتَّبَعَ هَواهُ) وهو حال كاشفة لتأكيد معنى الهوى لأن الهوى لا يكون ملابسا للهدى الرباني ولا صاحبه ملابسا له لأن الهدى يرجع إلى معنى إصابة المقصد الصالح.
وجعل الهدى من الله لأنه حق الهدى لأنه وارد من العالم بكل شيء فيكون معصوما من الخلل والخطأ.
ووجه كونه لا أضل منه أن الضلال في الأصل خطأ الطريق وأنه يقع في أحوال متفاوتة في عواقب المشقة أو الخطر أو الهلاك بالكلية ، على حسب تفاوت شدة الضلال. واتباع الهوى مع إلغاء إعمال النظر ومراجعته في النجاة يلقي بصاحبه إلى كثير من أحوال الضرّ بدون تحديد ولا انحصار.
فلا جرم يكون هذا الاتباع المفارق لجنس الهدى أشد الضلال فصاحبه أشد الضالين