والذي يتلو حقيقة هو جبريل بأمر من الله ، وهذا كقوله تعالى (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) في سورة البقرة [٢٥٢].
وجعلت التلاوة على النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه الذي يتلقى ذلك المتلو. وعبر عن هذا الخبر بالنبإ لإفادة أنه خبر ذو شأن وأهمية.
واللام في (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لام التعليل ، أي نتلو عليك لأجل قوم يؤمنون فكانت الغاية من تلاوة النبأ على النبي صلىاللهعليهوسلم هي أن ينتفع بذلك قوم يؤمنون فالنبي يبلغ ذلك للمؤمنين ؛ فإن كان فريق من المؤمنين سألوا أو تشوّفوا إلى تفصيل ما جاء من قصة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسورة النمل وهو الظاهر ، فتخصيصهم بالتعليل واضح وانتفاع النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك معهم أجدر وأقوى ، فلذلك لم يتعرض له بالذكر اجتزاء بدلالة الفحوى لأن المقام لإفادة من سأل وغيرهم غير ملتفت إليه في هذا المقام.
وإن لم يكن نزول هذه القصة عن تشوف من المسلمين فتخصيص المؤمنين بالتلاوة لأجلهم تنويه بأنهم الذين ينتفعون بالعبر والمواعظ لأنهم بإيمانهم أصبحوا متطلّبين للعلم والحكمة متشوفين لأمثال هذه القصص النافعة ليزدادوا بذلك يقينا.
وحصول ازدياد العلم للنبي صلىاللهعليهوسلم بذلك معلوم من كونه هو المتلقي والمبلغ ليتذكر من ذلك ما علمه من قبل ويزداد علما بما عسى أن لا يكون قد علمه ، وفي ذلك تثبيت فؤاده كما قال تعالى (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود : ١٢٠].
فالمراد بقوم يؤمنون قوم الإيمان شأنهم وسجيتهم. وللإشارة إلى معنى تمكن الإيمان من نفوسهم أجري وصف الإيمان على كلمة (قوم) ليفيد أن كونهم مؤمنين هو من مقومات قوميتهم كما قدمناه غير مرة. فالمراد : المتلبسون بالإيمان. وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أن إيمانهم موجود في الحال ومستمر متجدد.
وفي هذا إعراض عن العبء بالمشركين في سوق هذه القصة بما يقصد فيها من العبرة والموعظة فإنهم لم ينتفعوا بذلك وإنما انتفع بها من آمن ومن سيؤمن بعد سماعها.
والباء في قوله (بِالْحَقِ) للملابسة ، وهو حال من ضمير (نَتْلُوا) ، أو صفة للتلاوة المستفادة من (نَتْلُوا).
والحق : الصدق لأن الصدق حق إذ الحق هو ما يحق له أن يثبت عند أهل العقول