الحديث عنه باعتبار تعدد ما يقع فيه لأن مقام الموعظة يقتضي الإطناب في تعداد ما يستحق به التوبيخ. وكررت جملة (يَوْمَ يُنادِيهِمْ) لأن التكرار من مقتضيات مقام الموعظة. وهذا توبيخ لهم على تكذيبهم الرسل بعد انقضاء توبيخهم على الإشراك بالله.
والمراد : ما ذا أجبتم المرسلين في الدعوة إلى توحيد الله وإبطال الشركاء. والمراد ب (الْمُرْسَلِينَ) محمد صلىاللهعليهوسلم كما في قوله تعالى في سورة سبأ [٤٥] (فَكَذَّبُوا رُسُلِي). وله نظائر في القرآن منها قوله (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) يريد محمداصلىاللهعليهوسلم في سورة يونس [١٠٣] وقوله (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) الآيات في سورة الشعراء [١٠٥] ، وإنما كذب كل فريق من أولئك رسولا واحدا. والذي اقتضى صيغة الجمع أن جميع المكذبين إنما كذبوا رسلهم بعلة استحالة رسالة البشر إلى البشر فهم إنما كذبوا بجنس المرسلين ، ولام الجنس إذا دخلت على (جميع) أبطلت منه معنى الجمعية.
والاستفهام ب (ما ذا) صوري مقصود منه إظهار بلبلتهم. و (ذا) بعد (ما) الاستفهامية تعامل معاملة الموصول ، أي ما الذي أجبتم المرسلين ، أي ما جوابكم. و (الْأَنْباءُ) : جمع نبأ ، وهو الخبر عن أمر مهم ، والمراد به هنا الجواب عن سؤال (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) لأن ذلك الجواب إخبار عما وقع منهم مع رسلهم في الدنيا.
والمعنى : عميت الأنباء على جميع المسئولين فسكتوا كلهم ولم ينتدب زعماؤهم للجواب كفعلهم في تلقي السؤال السابق : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص: ٦٢].
ومعنى (فَعَمِيَتْ) خفيت عليهم وهو مأخوذ من عمى البصر لأنه يجعل صاحبه لا يتبين الأشياء ، فتصرفت من العمى معان كثيرة متشابهة يبينها تعدية الفعل كما عدي هنا بحرف (على) المناسب للخفاء. ويقال : عمي عليه الطريق. إذا لم يعرف ما يوصل منه ، قال عبد الله بن رواحة :
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا |
|
به موقنات أن ما قال واقع |
والمعنى : خفيت عليهم الأنباء ولم يهتدوا إلى جواب وذلك من الحيرة والوهل فإنهم لما نودوا (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢] انبرى رؤساؤهم فلفقوا جوابا عدلوا به عن جادة الاستفهام إلى إنكار أن يكونوا هم الذين سنوا لقومهم عبادة الأصنام ، فلما سئلوا عن جواب دعوة الرسول صلىاللهعليهوسلم عيوا عن الجواب فلم يجدوا مغالطة لأنهم لم