وليس هو ذكر اللسان لأنه إنما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك لتسليته وحفظ كماله لا ليعلمه المشركين ولا ليعلمه المسلمين على أن كلا الأمرين حاصل تبعا حين إبلاغ المنزّل في شأن داود إليهم وقراءته عليهم. ومعنى الأمر بتذكر ذلك تذكر ما سبق إعلام النبي صلىاللهعليهوسلم به من فضائله وتذكير ما عسى أن يكون لم يعلمه مما يعلم به في هذه الآية.
ووصف داود ب (عَبْدَنا) وصف تشريف بالإضافة بقرينة المقام كما تقدم عند قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) في سورة الصافات [٤٠].
و (الْأَيْدِ) : القوة والشدة ، مصدر : آد يئيد ، إذا اشتدّ وقوي ، ومنه التأييد التقوية ، قال تعالى : (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في سورة الأنفال [٢٦].
وكان داود قد أعطي قوة نادرة وشجاعة وإقداما عجيبين وكان يرمي الحجر بالمقلاع فلا يخطئ الرميّة ، وكان يلوي الحديد ليصنعه سردا للدروع بأصابعه ، وهذه القوة محمودة لأنه استعملها في نصر دين التوحيد.
وجملة (إِنَّهُ أَوَّابٌ) تعليل للأمر بذكره إيماء إلى أن الأمر لقصد الاقتداء به ، كما قال تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] ، فالجملة معترضة بين جملة (وَاذْكُرْ) وجملة بيانها وهي (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ).
والأوّاب : الكثير الأوب ، أي الرجوع. والمراد : الرجوع إلى ما أمر الله به والوقوف عند حدوده وتدارك ما فرط فيه. والتائب يطلق عليه الأوّاب ، وهو غالب استعمال القرآن وهو مجاز ولا تسمّى التوبة أوبا ، و «زبور» داود المسمى عند اليهود ب «المزامير» مشتمل على كثير من الاستغفار وما في معناه من التوبة.
وجملة (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) بيان لجملة (وَاذْكُرْ عَبْدَنا) أي اذكر فضائله وما أنعمنا عليه من تسخير الجبال وكيت وكيت ، و (مَعَهُ) ظرف ل (يُسَبِّحْنَ) ، وقدم على متعلقه للاهتمام بمعيته المذكورة ، وليس ظرفا ل (سَخَّرْنَا) لاقتضائه ، وتقدم تسخير الجبال والطير لداود في سورة الأنبياء.
وجملة (يُسَبِّحْنَ) حال. واختير الفعل المضارع دون الوصف الذي هو الشأن في الحال لأنه أريد الدلالة على تجدد تسبيح الجبال معه كلما حضر فيها ، ولما في المضارع من استحضار تلك الحالة الخارقة للعادة. والتسبيح أصله قول : سبحان الله ، ثم أطلق على الذكر وعلى الصلاة ، ومنه حديث عائشة : «لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسبح سبحة الصبح وإني