ومما سبق من الشريعة التي أوحي إليه العمل بها. وخليفة عن موسى عليهالسلام وعن أحبار بني إسرائيل الأولين المدعوين بالقضاة ، أو خليفة عمن تقدمه في الملك وهو شاول.
و (الْأَرْضِ) : أرض مملكته المعهودة ، أي جعلناك خليفة في أرض إسرائيل. ويجوز أن يجعل الأرض مرادا به جميع الأرض فإن داود كان في زمنه أعظم ملوك الأرض فهو متصرف في مملكته ويخاف بأسه ملوك الأرض فهو خليفة الله في الأرض إذ لا ينفلت شيء من قبضته ، وهذا قريب من الخلافة في قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) [يونس : ١٤] وقوله : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) [النمل : ٦٢].
وهذا المعنى خلاف معنى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] فإن الأرض هنالك هي هذه الكرة الأرضية. قال ابن عطية : ولا يقال خليفة الله إلا لرسوله صلىاللهعليهوسلم وأما الخلفاء فكل واحد منهم خليفة الذي قبله ، ألا ترى أن الصحابة رضياللهعنهم حرّروا هذا المعنى فقالوا لأبي بكر رضياللهعنه : يا خليفة رسول الله ، وبهذا كان يدعى بذلك مدة حياته ، فلما ولي عمر قالوا : يا خليفة خليفة رسول الله فطال ورأوا أنه سيطول أكثر في المستقبل إذا ولي خليفة بعد عمر فدعوا عمر أمير المؤمنين ، وقصر هذا على الخلفاء ، وما يجيء في الشعر من دعاء أحد الخلفاء خليفة الله فذلك تجوّز كما قال ابن قيس الرقيات :
خليفة الله في بريته |
|
جفّت بذاك الأقلام والكتب |
وفرع على جعله خليفة أمره بأن يحكم بين الناس بالحق للدلالة على أن ذلك واجبه وأنه أحق الناس بالحكم بالعدل ، ذلك لأنه هو المرجع للمظلومين والذي ترفع إليه مظالم الظلمة من الولاة فإذا كان عادلا خشيه الولاة والأمراء لأنه ألف العدل وكره الظلم فلا يقر ما يجري منه في رعيته كلما بلغه فيكون الناس في حذر من أن يصدر عنهم ما عسى أن يرفع إلى الخليفة فيقتص من الظالم ، وأمّا إن كان الخليفة يظلم في حكمه فإنه يألف الظلم فلا يغضبه إذا رفعت إليه مظلمة شخص ولا يحرص على إنصاف المظلوم.
وفي «الكشاف» : أن بعض خلفاء بني أمية قال لعمر بن عبد العزيز أو للزهري : هل سمعت ما بلغنا؟ قال : وما هو؟ قال : بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب له معصية ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الخلفاء أفضل أم الأنبياء ، ثم تلا هذه الآية. والمراد ب (النَّاسِ) ناس مملكته فالتعريف للعهد أو هو للاستغراق العرفي.