في «صحيح البخاري» «عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : قال سليمان لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه : قل إن شاء الله. فلم يقل : إن شاء الله. فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل ، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون». وليس في كلام النبي صلىاللهعليهوسلم أن ذلك تأويل هذه الآية ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير من كتابيهما. قال جماعة : فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيّه جاءت به القابلة فألقته له وهو على كرسيه ، فالفتنة على هذا خيبة أمله ومخالفة ما أبلغه صاحبه.
وإطلاق الجسد على ذلك المولود ؛ إمّا لأنه ولد ميتا ، كما هو ظاهر قوله : «شق رجل» ، وإمّا لأنه كان خلقة غير معتادة فكان مجرد جسد. وهذا تفسير بعيد لأن الخبر لم يقتض أن الشق الذي ولدته المرأة كان حيّا ولا أنه جلس على كرسي سليمان. وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلّف.
وقال وهب بن منبه وشهر بن حوشب : تزوج سليمان ابنة ملك صيدون بعد أن غزا أباها وقتله فكانت حزينة على أبيها ، وكان سليمان قد شغف بحبها فسألته لترضى أن يأمر المصورين ليصنعوا صورة لأبيها فصنعت لها فكانت تغدو وتروح مع ولائدها يسجدن لتلك الصورة فلما علم سليمان بذلك أمر بذلك التمثال فكسر ، وقيل : كانت تعبد صنما لها من ياقوت خفية فلما فطن سليمان أو أسلمت المرأة ترك ذلك الصنم. وهذا القول مختزل مما وقع في «سفر الملوك» الأول من كتب اليهود إذ جاء في الإصحاح الحادي عشر : وأحب سليمان نساء غريبة كثيرة بنت فرعون ومعها نساء مؤابيات وعمونيات ، وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم التي قال عنهم الرب لبني إسرائيل : لا تدخلون إليهم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم. فبنى هيكلا للصنم (كموش) صنم المؤابيين على الجبل الذي تجاه أورشليم فقال الله له : من أجل أنك لم تحفظ عهدي فإني أمزق مملكتك بعدك تمزيقا وأعطيها لعبدك ولا أعطي ابنك إلا سبطا واحدا إلخ.
ويؤخذ من ذلك كله : أن سليمان اجتهد وسمح لنسائه المشركات أن يعبدن أصنامهن في بيوتهن التي هي بيوته أو بنى لهن معابد يعبدن فيها فلم يرض الله منه ذلك لأنه وإن كان قد أباح له تزوج المشركات فما كان ينبغي لنبي أن يسمح لنسائه بذلك الذي أبيح لعامة الناس الذين يتزوجون المشركات وإن كان سليمان تأول أن ذلك قاصر على المرأة