لا يتجاوز إليه.
وعلى هذا التأويل يكون المراد بالجسد الصنم لأنه صورة بلا روح كما سمى الله العجل الذي عبده بنو إسرائيل جسدا في قوله : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ)[طه : ٨٨].
ويكون معنى إلقائه على كرسيّه نصبه في بيوت زوجاته المشركات بقرب من مواضع جلوسه إذ يكون له في كل بيت منها كرسي يجلس عليه.
وعطف (ثُمَّ أَنابَ) بحرف (ثُمَ) المفيد للتراخي الرتبي لأن رتبة الإنابة أعظم ذكر في قوله : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) [ص : ٣٢]. والإنابة : التوبة.
وجملة (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) بدل اشتمال من جملة (أَنابَ) لأن الإنابة تشتمل على ترقب العفو عما عسى أن يكون قد صدر منه مما لا يرضي الله تعالى صدوره من أمثاله.
وإردافه طلب المغفرة باستيهاب ملك لا ينبغي لأحد من بعده لأنه توقع من غضب الله أمرين : العقاب في الآخرة ، وسلب النعمة في الدنيا إذ قصّر في شكرها ، وكان سليمان يومئذ في ملك عظيم فسؤال موهبة الملك مراد به استدامة ذلك الملك وصيغة الطلب ترد لطلب الدوام مثل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦]. وتنكير (مُلْكاً) للتعظيم.
وارتقى سليمان في تدرج سؤاله إلى أن وصف ملكا أنه لا ينبغي لأحد من بعده ، أي لا يتأتى لأحد من بعده ، أي لا يعطيه الله أحدا يبتغيه من بعده. فكنّى ب (لا يَنْبَغِي) عن معنى لا يعطى لأحد ، أي لا تعطيه أحدا من بعدي.
ففعل : (يَنْبَغِي) مطاوع بغاه ، يقال : بغاه فانبغى له وليس للملك اختيار وانبغاء وإنما الله هو المعطي والميسّر فإسناد الانبغاء إلى الملك مجاز عقلي ، وحقيقته : انبغاء سببه. وهذا من التأدّي في دعائه إذ لم يقل : لا تعطه أحدا من بعدي.
وسأل الله أن لا يقيم له منازعا في ملكه وأن يبقى له ذلك الملك إلى موته ، فاستجاب فكان سليمان يخشى ظهور عبده (يربعام بن نباط) من سبط أفرايم عليه إذ كان أظهر الكيد لسليمان فطلبه سليمان ليقتله فهرب إلى (شيشق) فرعون مصر وبقي في مصر إلى وفاة سليمان. فهذا أيضا مما حمل سليمان أن يسأل الله تثبيت ملكه وأن لا يعطيه أحدا غيره. وكان لسليمان عدوّان آخران هما (هدد) الأدومي و (رزون) من أهل صرفة