بالمثل أعيد معه فعل (اذْكُرْ) كما نبهنا عليه في قوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) [ص : ١٧] ، وقد تقدم الكلام على نظير صدر هذه الآية في سورة الأنبياء. وترجمة أيوب عليهالسلام تقدمت في سورة الأنعام.
وإذ كانت تعدية فعل (اذْكُرْ) إلى اسم أيوب على تقدير مضاف لأن المقصود تذكّر الحالة الخاصة به كان قوله : (إِذْ نادى رَبَّهُ) بدل اشتمال من أيوب لأن زمن ندائه ربّه مما تشتمل عليه أحوال أيّوب. وخص هذا الحال بالذكر من بين أحواله لأنه مظهر توكّله على الله واستجابة الله دعاءه بكشف الضر عنه.
والنداء : نداء دعاء لأن الدعاء يفتتح ب : يا رب ، ونحوه.
و (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) متعلق ب (نادى) بحذف الباء المحذوفة مع (أن) ، أي نادى : بأنّي مسني الشيطان ، وهو في الأصل جملة مبيّنة لجملة (نادى رَبَّهُ) ولو لا وجود (أن) المفتوحة التي تصيّر الجملة في موقع المفرد لكانت جملة مبينة لجملة (نادى) ، ولما احتاجت إلى تقدير حرف الجر ليتعدّى إليها فعل (نادى) وخاصة حيث خلت الجملة من حرف نداء. فقولهم : إنها مجرورة بباء مقدرة جرى على اعتبارات الإعراب تفرقة بين موقع (أنّ) المفتوحة وموقع (إنّ) المكسورة ولهذا الفرق بين الفتح والكسر اطّرد وجها فتح الهمزة وكسرها في نحو «خير القول أني أحمد».
وقد ذكرنا في قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) في سورة [الأنفال : ٩] رأينا في كون (أن) المفتوحة الهمزة المشددة النون مركبة من (أن) التفسيرية (وأنّ) الناسخة. والخبر مستعمل في الدعاء والشكاية ، كقوله : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) [آل عمران : ٣٦] ، وقد قال في آية سورة الأنبياء [٨٣](أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
والنصب ، بضم النون وسكون الصاد : المشقة والتعب ، وهي لغة في نصب بفتحتين ، وتقدم النصب في سورة الكهف. وقرأ أبو جعفر (بِنُصْبٍ) بضم الصاد وهو ضم اتباع لضمّ النون.
والعذاب : الألم. والمراد به المرض يعني : أصابني الشيطان بتعب وألم. وذلك من ضرّ حل بجسده وحاجة أصابته في ماله كما في الآية الأخرى (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) [الأنبياء : ٨٣].
وظاهر إسناد المسّ بالنّصب والعذاب إلى الشيطان أن الشيطان مسّ أيوب بهما ، أي