وما بقيت من اللذات إلا |
|
أحاديث الكرام على الشراب |
فإذا استشعروا أن ما صاروا إليه من النعيم كان جزاء على ما سبق من إيمانهم وإخلاصهم تذكر بعضهم من كان يجادله في ثبوت البعث والجزاء فحمد الله على أن هداه لعدم الإصغاء إلى ذلك الصّادّ فحدث بذلك جلساءه وأراهم إياه في النار ، فلذلك حكي إقبال بعضهم على بعض بالمساءلة بفاء التعقيب. وهذا يدلّ على أن الناس في الآخرة تعود إليهم تذكراتهم التي كانت لهم في الدنيا مصفاة من الخواطر السيّئة والأكدار النفسانية مدركة الحقائق على ما هي عليه. وجيء في حكاية هذه الحالة بصيغ الفعل الماضي مع أنها مستقبلة لإفادة تحقيق وقوع ذلك حتى كأنه قد وقع على نحو قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ)[النحل : ١] ، والقرينة هي التفريع على الأخبار المتعلقة بأحوال الآخرة.
والتساؤل : أن يسأل بعضهم بعضا ، وحذف المتساءل عنه لدلالة ما بعده عليه ، وقد بين نحوا منه قوله تعالى : (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [المدثر : ٤٠ ، ٤٢].
وجملة (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) بدل اشتمال من جملة (يَتَساءَلُونَ) ، أي قال أحدهم في جواب سؤال بعضهم ، فإن معنى التساؤل يشتمل على معنى الجواب فلذلك جعلناه بدل اشتمال لا بدل بعض ولا عطف بيان ، والقرين مراد به الجنس ، فإن هذا القول من شأنه أن يقوله كثير من خلطاء المشركين قبل أن يسلموا.
والقرين : المصاحب الملازم شبهت الملازمة الغالبة بالقرن بين شيئين بحيث لا ينفصلان ، أي يقول له صاحبه لما أسلم وبقي صاحبه على الكفر يجادله في الإسلام ويحاول تشكيكه في صحته رجاء أن يرجع به إلى الكفر كما قال سعيد بن زيد : «لقد رأيتني وأنّ عمر لموثقي على الإسلام» أي جاعلني في وثاق لأجل أني أسلمت ، وكان سعيد صهر عمر زوج أخته.
والاستفهام في (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) مستعمل في الإنكار ، أي ما كان يحق لك أن تصدّق بهذا ، وسلط الاستفهام على حرف التوكيد لإفادة أنه بلغه تأكّد إسلام قرينه فجاء ينكر عليه ما تحقق عنده ، أي أن إنكاره إسلامه بعد تحقق خبره ، ولو لا أنه تحققه لما ظنّ به ذلك. والمصدّق هو : الموقن بالخبر.
وجملة (أَإِذا مِتْنا) بيان لجملة (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) بينت الإنكار المجمل بإنكار