عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم (أي من خزنة النار) فقال أبو الأشد الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) [المدثر : ٣١] أي فليس الواحد منهم كواحد من الناس (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) [المدثر : ٣١].
واستأنف لوصفها استئنافا ثانيا مكررا فيه كلمة (إِنَّها) للتهويل. ومعنى (تَخْرُجُ) تنبت كما قال تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف : ٥٨]. ومن عجيب قدرة الله تعالى أن جعل من النار شجرة وهي نارية لا محالة. صور الله في النار شجرة من النار ، وتقريب ذلك ما يصور في الشماريخ النارية من صور ذات ألوان كالنخيل ونحوه.
وجعل لها طلعا ، أي ثمرا ، وأطلق عليه اسم الطلع على وجه الاستعارة تشبيها له بطلع النخلة لأن اسم الطلع خاصّ بالنخيل. قال ابن عطية : عن السدي ومجاهد قال الكفار : كيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار ، وهي تأكلها وتذهبها ، فقولهم هذا ونحوه من الفتنة لأنه يزيدهم كفرا وتكذيبا.
و (رُؤُسُ الشَّياطِينِ) يجوز أن يكون مرادا بها رءوس شياطين الجنّ جمع شيطان بالمعنى المشهور ورءوس هذه الشياطين غير معروفة لهم ، فالتشبيه بها حوالة على ما تصوّر لهم المخيّلة ، وطلع شجرة الزقوم غير معروف فوصف للناس فظيعا بشعا ، وشبهت بشاعته ببشاعة رءوس الشياطين ، وهذا التشبيه من تشبيه المعقول بالمعقول كتشبيه الإيمان بالحياة في قوله تعالى : لتنذر (مَنْ كانَ حَيًّا) [يس : ٧٠] والمقصود منه هنا تقريب حال المشبّه فلا يمتنع كون المشبه به غير معروف ولا كون المشبه كذلك.
ونظيره قول امرئ القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقيل : أريد برءوس الشياطين ثمر الأستن ، والأستن (بفتح الهمزة وسكون السين وفتح التاء) شجرة في بادية اليمن يشبه شخوص الناس ويسمى ثمره رءوس الشياطين ، وإنما سمّوه كذلك لبشاعة مرآة ثم صار معروفا ، فشبه به في الآية. وقيل : (الشَّياطِينِ) :جمع شيطان وهو من الحيات ما لرءوسه أعراف ، قال الراجز يشبه امرأته بحية منها :
عنجرد تحلف حين أحلف |
|
كمثل شيطان الحماط أعرف |