إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) في سورة الواقعة [٥١ ـ ٥٢] ، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات. ويبين هذا ما رواه الكلبي أنه لما نزلت هذه الآية (أي آية سورة الواقعة) قال ابن الزّبعرى : أكثر الله في بيوتكم الزقوم ، فإن أهل اليمن يسمّون التمر والزبد بالزقوم. فقال أبو جهل لجاريته : زقمينا فأتته بزبد وتمر فقال : تزقموا.
وعن ابن سيده : بلغنا أنه لما نزلت : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ) (أي في سورة الدخان [٤٣ ـ ٤٤]) لم يعرفها قريش. فقال أبو جهل : يا جارية هاتي لنا تمرا وزبدا نزدقمه ، فجعلوا يأكلون ويقولون : أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة ا. ه. والمناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة لا آية سورة الدخان وقد جاءت فيها نكرة. وإمّا أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم ، قيل : هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة وبالبلاد المجدبة المجاورة للصحراء كريهة الرائحة صغيرة الورق مسمومة ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورّم ومات منه في الغالب. قاله قطرب وأبو حنيفة.
وتصدّي القرآن لوصفها المفصّل هنا يقتضي أنها ليست معروفة عندهم فذكرها مجملة في سورة الواقعة فلما قالوا ما قالوا فصّل أو صافها هنا بهذه الآية وفي سورة الدخان بقوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ) تغلي (فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان: ٤٣ ـ ٤٦].
وقد سماها القرآن بهذه الإضافة كأنها مشتقة من الزقمة بضم الزاء وسكون القاف وهو اسم الطاعون ، وقال ابن دريد : لم يكن الزقوم اشتقاقا من التزقم وهو الإفراط في الأكل حتى يكرهه. وهو يريد الرد على من قال : إنها مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهة الشيء. واستأنف وصفها بأن الله جعلها (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) ، أي عذابا مثل ما في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [البروج : ١٠] ، أي عذبوهم بأخدود النار.
وفسرت الفتنة أيضا بأن خبر شجرة الزقوم كان فتنة للمشركين إذ أغراهم بالتكذيب والتهكم فيكون معنى (جَعَلْناها) جعلنا ذكرها وخبرها ، أي لما نزلت آية سورة الواقعة ، أي جعلنا ذكرها مثيرا لفتنتهم بالتكذيب والتهكم دون تفهم ، وذلك مثل قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) [المدثر : ٣١] ، فإنه لما نزل قوله تعالى في وصف جهنم : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠] قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدّهم أيعجز كل