إبراهيم وهذا كقوله تعالى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ١٣٥].
و (إِذْ) ظرف للماضي وهو متعلق بالكون المقدّر للجار والمجرور الواقعين خبرا عن (إِنَ) في قوله : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) ، أو متعلق بلفظ شيعة لما فيه من معنى المشايعة والمتابعة ، أي كان من شيعته حين جاء ربه بقلب سليم كما جاء نوح ، فذلك وقت كونه من شيعته ، أي لأن نوحا جاء ربه بقلب سليم. وفي (إِذْ) معنى التعليل لكونه من شيعته فإن معنى التعليل كثير العروض ل (إِذْ) كقوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩]. وهذه نعمة على نوح وهي ثانية عشرة.
والباء في (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) للمصاحبة ، أي جاء معه قلب صفته السلامة فيؤول إلى معنى : إذ جاء ربه بسلامة قلب ، وإنما ذكر القلب ابتداء ثم وصف ب (سَلِيمٍ) لما في ذكر القلب من إحضار حقيقة ذلك القلب النزيه ، ولذلك أوثر تنكير «قلب» دون تعريف. و (سَلِيمٍ) : صفة مشبهة مشتقة من السلامة وهي الخلاص من العلل والأدواء لأنه لما ذكر القلب ظهر أن السلامة سلامته مما تصاب به القلوب من أدوائها فلا جائز أن تعني الأدواء الجسدية لأنهم ما كانوا يريدون بالقلب إلا مقرّ الإدراك والأخلاق. فتعين أن المراد : صاحب القلب مع نفسه بمثل طاعة الهوى والعجب والغرور ، ومع الناس بمثل الكبر والحقد والحسد والرياء والاستخفاف.
وأطلق المجيء على معاملته به في نفسه بما يرضي ربه على وجه التمثيل بحال من يجيء أحدا ملقيا إليه ما طلبه من سلاح أو تحف أو ألطاف فإن الله أمره بتزكية نفسه فامتثل فأشبه حال من دعاه فجاءه. وهذا نظير قوله تعالى : (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [الأحقاف : ٣١].
وقد جمع قوله : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) جوامع كمال النفس وهي مصدر محامد الأعمال. وفي الحديث : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
وقد حكي عن إبراهيم قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٨ ـ ٨٩] ، فكان عماد ملة إبراهيم هو المتفرّع عن قوله : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، وذلك جماع مكارم الأخلاق ولذلك وصف إبراهيم بقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود : ٧٥] ، فكان منزها عن كل خلق ذميم واعتقاد باطل.