الله لا من تقصير إبراهيم ، فإبراهيم صدّق الرؤيا إلى أن نهاه الله عن إكمال مثالها ، فأطلق على تصديقه أكثرها أنه صدّقها ، وجعل ذبح الكبش تأويلا لذبح الولد الواقع في الرؤيا.
وجملة (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعليل لجملة (وَنادَيْناهُ) لأن نداء الله إياه ترفيع لشأنه فكان ذلك النداء جزاء على إحسانه. وهذه الجملة يجوز أن تكون من خطاب الله تعالى إبراهيم ، ويجوز أن تكون معترضة بين جمل خطاب إبراهيم ، والإشارة في قوله : (كَذلِكَ) إلى المصدر المأخوذ من فعل (صَدَّقْتَ) من المصدر وهو التصديق مثل عود الضمير على المصدر المأخوذ من (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، أي إنا نجزي المحسنين كذلك التصديق ، أي مثل عظمة ذلك التصديق نجزي جزاء عظيما للمحسنين ، أي الكاملين في الإحسان ، أي وأنت منهم.
ولما يتضمنه لفظ الجزاء من معنى المكافأة ومماثلة المجزي عليه عظم شأن الجزاء بتشبيهه بمشبه مشار إليه بإشارة البعيد المفيد بعدا اعتباريا وهو الرفعة وعظم القدر في الشرف ، فالتقدير : إنا نجزي المحسنين جزاء كذلك الإحسان الذي أحسنت به بتصديقك الرؤيا ، مكافأة على مقدار الإحسان فإنه بذل أعزّ الأشياء عليه في طاعة ربّه فبذل الله إليه من أحسن الخيرات التي بيده تعالى ، فالمشبه والمشبه به معقولان إذ ليس واحد منهما بمشاهد ولكنهما متخيّلان بما يتسع له التخيّل المعهود عند المحسنين مما يقتضيه اعتقادهم في وعد الصادق من جزاء القادر العظيم ، قال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠].
ولما أفاد اسم الإشارة من عظمة الجزاء أكّد الخبر ب (إِنَ) لدفع توهم المبالغة ، أي هو فوق ما تعهده في العظمة وما تقدره العقول.
وفهم من ذكر المحسنين أن الجزاء إحسان بمثل الإحسان فصار المعنى : إنا كذلك الإحسان العظيم الذي أحسنته نجزي المحسنين ، فهذا وعد بمراتب عظيمة من الفضل الرباني ، وتضمن وعد ابنه بإحسان مثله من جهة نوط الجزاء بالإحسان ، وقد كان إحسان الابن عظيما ببذل نفسه.
وقد أكد ذلك بمضمون جملة (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي هذا التكليف الذي كلّفناك هو الاختبار البيّن ، أي الظاهر دلالة على مرتبة عظيمة من امتثال أمر الله.
واستعمل لفظ البلاء مجازا في لازمه وهو الشهادة بمرتبة من لو اختبر بمثل ذلك