الأوصاف أن تكون جارية على موصوف واحد لأن الأصل في العطف بالفاء اتصال المتعاطفات بها لما في الفاء من معنى التعقيب ولذلك يعطفون بها أسماء الأماكن المتصل بعضها ببعض كقول امرئ القيس :
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
|
فتوضح فالمقرة ... البيت |
وكقول لبيد :
بمشارق الجبلين أو بمحجر |
|
فتضمنتها فرده فرخامها |
فصدائق إن أيمنت فمظنة |
|
............ البيت |
ويعطفون بها صفات موصوف واحد كقول ابن زيّابة :
يا لهف زيّابة للحارث ال |
|
صابح فالغانم فالآئب |
يريد صفات للحارث ، ووصفه بها تهكما به.
فعن جماعة من السلف : أن هذه الصفات للملائكة. وعن قتادة أن «التاليات ذكرا» الجماعة الذين يتلون كتاب الله من المسلمين. وقسم الله بمخلوقاته يومئ إلى التنويه بشأن المقسم به من حيث هو دالّ على عظيم قدرة الخالق أو كونه مشرّفا عند الله تعالى.
وتأنيث هذه الصفات باعتبار إجرائها على معنى الطائفة والجماعة ليدل على أن المراد أصناف من الملائكة لا آحاد منهم.
و (الصَّافَّاتِ) جمع : صافة ، وهي الطائفة المصطفّ بعضها مع بعض. يقال : صف الأمير الجيش ، متعديا إذا جعله صفا واحدا أو صفوفا ، فاصطفوا. ويقال : فصفّوا ، أي صاروا مصطفّين ، فهو قاصر. وهذا من المطاوع الذي جاء على وزن فعله مثل قول العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر
وتقدم قوله : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) في سورة الحج [٣٦] ، وقوله : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) [النور : ٤١].
ووصف الملائكة بهذا الوصف يجوز أن يكون على حقيقته فتكون الملائكة في العالم العلوي مصطفّة صفوفا ، وهي صفوف متقدم بعضها على بعض باعتبار مراتب الملائكة في الفضل والقرب. ويجوز أن يكون كناية عن الاستعداد لامتثال ما يلقى إليهم