الوجود ، وغذاء الوجود أحكام الأعيان ، وغذاء الجواهر الأعراض ، وغذاء الأرواح علومها وصفاتها ، وغذاء الصور العلويّة حركاتها وما به دوام حركتها الذي هو شرط لدوام استمدادها من أرواحها المستمدّة من الحقائق الأسمائيّة ، وغذاء العناصر ما به بقاء صورها المانع لها من الاستحالة إلى المخالف والمضادّ ، وغذاء الصور الطبيعيّة الكيفيّات التي منها تركّبت تلك الصورة والمزاج ، فالحرارة لا تبقى إلّا بالحرارة ، وكذا البرودة وغيرهما (١) من الكيفيّات الروحانيّة ، والرطوبة الأصليّة التي هي مظهر الحياة (٢) لا تبقى إلّا بالرطوبة المستمدّة من الأغذية لكن لا يتأتّى قيام المعنى بالمعنى وانتقاله إليه حقيقة وحكما إلّا بواسطة الموادّ والأعراض اللازمة وهي شروط يتوقّف الأمر عليها ، وليست مقصودة لذاتها ولا مرادة بالقصد الأوّل الأصلي ، فوظيفتها أنّها توصل المقصود وتنفصل ، فيعقبها المثل ، وهكذا الأمر في كلّ غذاء ومغتذ على اختلاف مراتب الأغذية والمغتذين الذين سبق ذكر مراتبهم.
ولمّا كان الوجود واحدا ولا مثل له كانت تعيّناته الحاصلة والظاهرة بالأعيان هي التي يخلف بعضها بعضا مع أحديّة الوجود ، فافهم.
وهنا أسرار لا يمكن كشفها ، لكن من تدبّر ما اومأت إليه واطّلع على مقامه وأصله ، عرف سرّ ظهور صور العالم بأسرها ، وسرّ أرواحه والنشآت الدنياويّة والأخرويّة والبرزخيّة وغيرها ، وعرف ما تنتشي من الحركات والأفعال والأحوال ، من كلّ متحرّك وفاعل ذي حال ، ومن كلّ كون وفساد واقع في العالم ، وما [هو] المراد بالقصد الأوّل من المجموع وفيه ، وما [هو] المراد بالتبعيّة وبالقصد الثاني ، وما هو شرط فحسب من وجه واحد ، مراد باعتبار واحد ، وما هو شرط في مرتبة ، وتبع وهو بعينه مراد ومتبوع في مرتبة أخرى ، وحكم الوقت والحال والمرتبة والموطن في مجموع ما ذكر من حيث التقيّد بالموطن والوقت وغيرهما ، وكيف تكون هذه الأمور أيضا تارة في مرتبة المتبوعيّة والمشروطيّة ، وأخرى في مرتبة الشرطيّة والتبعيّة ، وحكم الوقت والحال. وما ذكرنا بالنسبة إلى من يتعيّن بها وبحسبها وبالنسبة إلى من تتعيّن به ، وليس شيء مرادا في كلّ مرتبة بالقصد الأوّل غير الإنسان الكامل في دوره وعصره. ومن الأشياء ما هي مرادة بقصد أوّل وثان في
__________________
(١) ق : غيرها.
(٢) ق : الحرارة.