وهكذا الأمر في الطرف المذموم ومقام النقائص بالنسبة إلى من هو في مقابلة أهل الكمال ؛ فإنّ الفيض الإلهي وآثار القوى العالية (١) والتوجهات الملكيّة تصل إليهم في غاية التقديس والطهارة متميّزا (٢) بعضها عن بعض ، فإذا اتّصلت بهم انصبغت بحسب أحوالهم والصفة الناقصة المذمومة المستولية عليهم ، فانقهرت الآثار الأسمائيّة والتوجّهات الروحانيّة تحت حكم طبيعتهم وأمزجتهم المنحرفة الناقصة ، وظهر عليها سلطان صفاتهم المذمومة ، فحجبتها وأخفت حكمها ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في سرّ التجليات ، فافهم.
ومن تفاصيل هذا السرّ والمقام تستشرف على سرّ الحلّ والحرمة أيضا ، كما نبّهت عليه ، فتعلم أنّ ثمّة أمورا هي بالنسبة إلى بعض الخلق نافعة وبالنسبة إلى غيرهم غير نافعة ، ونظير هذا في المرتبة الطبيعيّة الظاهرة أشياء شتّى كالعسل ـ مثلا ـ بالنسبة إلى المحرور المحترق المزاج ، وبالنسبة إلى المبرود والمرطوب الغالب على مزاجه البلغم.
والضابط لك في هذا الباب أنّه مهما ظهر لك حكم من هذه الأحكام في الطبيعيّات فاعتبر مثله في المراتب الروحانيّة والصفات المعنويّة النفسانيّة ، واستحضر ما أسلفت لك في النكاحات الخمسة وأسرارها من أنّ الأحكام الطبيعيّة ناتجة (٣) متحصّلة عن الأحكام الروحانيّة ، والروحانيّة ناتجة عن الحقائق الغيبيّة فإن كنت من أهل الكشف والشهود ، فتذكّر بهذا الكلام وتنزّه ، وإلّا فسلّم واطلب ؛ فإنّ الرزّاق ذو القوّة المتين ، ما هو على الغيب بضنين ولتعتبر (٤) أيضا بعد اعتبارك لتبعيّة الطبيعيّات للروحانيّات تولّد الأرواح الجزئيّة عن الأمزجة الطبيعيّة ، وما للمزاج فيها وفيما يختصّ بها من الأحكام والآثار من حيث إنّها متعيّنة بقدر (٥) الأبدان ، وبحسب المزاج ، و (٦) ارق به بعد ذلك إلى حكم الأعيان مع الأسماء والوجود الواحد المطلق ، على ما نبّهتك عليه أوّلا ، وانظر ما يبدو لك من المجموع ، تر العجب العجاب ، وتنزّه في عموم حكم الغذاء في كلّ مرتبة ، فغذاء الأسماء أحكامها بشرط المظاهر التي هي محلّ الحكم ، وهذا هو عالم المعاني والحقائق الغيبيّة ، وغذاء الأعيان
__________________
(١) ق : الغالبة.
(٢) ق : في بعض النسخ : متميّزة.
(٣) ق : لا توجد.
(٤) ق : لنعتبر.
(٥) ق : بعد.
(٦) ق : لم يرد.