رأي جماعة من أكابر علماء الرسوم ، وهذا القول من وجه موافق لبعض ما أشرنا إليه بلسان التحقيق وإن لم يكن من مشرب أهل الظاهر ، فافهم.
وانظر إلى كمال معرفة الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ بالأمور وقول الخليل ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة ـ الذي حكاه الحقّ لنا عنه في كتابه العزيز لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) (١) فراعى ـ صلوات الله عليه ـ من له الحكم من الأسماء على أبيه يومئذ وهو الاسم «الرّحمن» فإنّه كان في سلامة وراحة ، فنبّهه على أنّ الاسم «الرّحمن» اسم جامع وتحت (٢) حيطته أسماء لها أحكام غير الرحمة تظهر بحكم التخليص (٣) الرحمي (٤) في دار الفصل فتمتاز حصة الرحمة الخالصة عن (٥) كلّ ما ينافيها وتظهر خاصّيّة كلّ اسم بحسبه ، فكأنّه قال له : لا تغترّ بما أنت عليه من الأمن والدعة ؛ فإنّ الاسم «المنتقم» إذا انفصل عنه حكم الاسم «الرّحمن» بالتمييز والتخليص المذكور ، ظهرت لك أمور شديدة تخالف ما أنت عليه الآن ، فاستدرك مادام الأمر والوقت موافقين (٦) ، فحجب الله إدراكه عن معرفة ما أشار الخليل إليه ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
وهنا سرّ عزيز أنبّه عليه ونختم به الكلام على هذه الآية ، وهو أنّ التخصيص المضاف إلى الاسم «الرحيم» هو حكم الإرادة ؛ فإنّ الإرادة ـ كما بيّنّا ـ من الأسماء الأصليّة الأول ، والرحيم وإن عدّ من الكلّيّات باعتبار ما تحت حيطته ، فهو من الأسماء التالية للأمّهات الأول المذكورة.
ثم التخصيص المنسوب إلى الإرادة هو في التحقيق الأتمّ من حكم العلم ؛ إذ لو توقّف كلّ تخصيص على الإرادة ، لكان نفس تخصيصها بكونها إرادة إمّا أن يتوقّف عليها ، فيفضي إلى توقّف الشيء على نفسه وكونه سببا (٧) لنفسه ، وهذا لا يصحّ أو يتوقّف على إرادة أخرى ، متقدّمة على هذه الإرادة ، والكلام في تلك كالكلام في هذه ، فيفضي الأمر إلى الدور أو التسلسل ، وكلاهما محال في هذه الصورة ، ولكان تخصيص العلم والحياة أيضا متوقّفا
__________________
(١) مريم (١٩) الآية ٤٥.
(٢) ق : في.
(٣) ق : التلخيص.
(٤) ق : الرحيمي.
(٥) ق : ه : من.
(٦) ق : مواتبين.
(٧) ق : مبنيا.