فاعلم ذلك. ثم نرجع إلى ما كنّا بسبيله ، فنقول :
وهكذا الأمر في جهنّم ؛ فإنّ المؤمن لا تؤثّر النار في باطنه ، والمنافق لا يعذّب في الدرك الأعلى المتعلّق بالظاهر ، بل في الدرك الأسفل المختصّ بالباطن ، والمشرك يعذّب في الدرك الأعلى والأسفل ، في مقابلة السعيد التامّ السعادة.
وهنا أمور لا يمكن ذكرها يعرفها اللبيب ممّا سبقت الإشارة إليه من قبل. ولهذه الأقسام تفاصيل وأحكام يفضي ذكرها إلى بسط كثير ، فأضربت عن ذكرها لذلك ، واقتصرت على هذا القدر ، وسأذكر عند الكلام على قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (١) ما يبقى من جمل أسرار هذا المقام حسب ما تستدعيه الآية ويقدّره (٢) الحقّ ـ إن شاء الله تعالى ـ
ثم لتعلم (٣) أنّ التخصيص الذي هو حكم الاسم «الرّحيم» على نوعين تابعين للقبضتين كما مرّ بيانه :
أحدهما : تخصيص أسباب النعيم لأهل السعادة برفع الشوائب ، كما أخبر به الحقّ بقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٤) ، فإنّ الدنيا دار جمع ومزج ، فهي للمؤمنين في الدنيا ممزوجة بالأنكاد والأحكام الموطنيّة ، وهي لهم في الآخرة خالصة.
فالاسم «الرّحيم» هو المصفّي أسباب النعيم وسوابغ الإحسان عن شوائب الأكدار والأنكاد.
والنوع الآخر من التخصيص هو مطلق تمييز السعداء من الأشقياء و (٥) التخليص من حكم التشابه الحاصل في الدنيا ، بسبب عموم حكم الاسم «الرّحمن» وما للأشقياء في الدنيا من النعيم والراحة ونحوهما من أحكام الرحمة ، وبضدّ ذلك لسعداء المؤمنين من الآلام والأنكاد.
وأيضا فالرحمن عامّ المعنى ، خاصّ اللفظ ، والرحيم عام اللفظ ، خاصّ المعنى ، على
__________________
(١) الفاتحة (١) الآية ٧.
(٢) في بعض النسخ : يقدّر.
(٣) ق : ليعلم.
(٤) الأعراف (٧) الآية ٣٢.
(٥) ق : لم يرد.