بالظاهر دون الباطن ؛ لأنّ الملك والمالك من الخلق لا يمكنهما ملك القلوب والبواطن ، بخلاف الحقّ سبحانه ؛ فإنّه يملكهما جميعا. أمّا باطنا فلأنّ «القلب بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء» وكلّ ظاهر في باب الفعل والتصرّف فتبع للباطن ، فملك الباطن يستلزم ملك الظاهر دون العكس.
ولهذا نجد من الناس من إذا أحبّ أحدا ، انفعل (١) له بباطنه وظاهره ، وإن لم يكن المحبوب ملكه وسلطانه ، ولا سيّده ومالكه بالاصطلاح المتقرّر.
على أنّ التحقيق الكشفي أفاد أنّ كلّ محبّ فإنّما أحبّ في الحقيقة نفسه ، ولكن قامت له صورة المعشوق كالمرآة لمشاهدة نفسه من حيث المناسبة التامّة والمحاذاة الروحانيّة ، فكان المسمّى معشوقا شرطا في حبّ المحبّ نفسه ، وفي تأثيره في نفسه.
ومن أسرار ذلك أنّ الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهيّة والكونيّة ، وكلّ شيء فيه كلّ شيء وإن لم يتأتّ إدراكه على التعيين لكلّ أحد ؛ للقرب المفرط والإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة ، فإذا قام شيء بشيء (٢) في مقام المحاذاة المعنويّة والروحانيّة كالمرآة إمّا منه أو ممّا يناسبه ، صار ذلك القدر من الامتياز والبعد المتوسّط مع المسامتة سببا لظهور صورة الشيء فيما امتاز به عنه ، أو عن مثله فأدرك نفسه في الممتاز عنه ، وتأتّى له شهودها ؛ لزوال حجاب القرب والأحديّة ، فأحبّ نفسه في ذلك الأمر الذي صار مجلاه ، فافهم.
ولهذا المقام أسرار أخر شريفة جدّا لا يقتضي هذا الموضع ذكرها ، وإنّما هذا تنبيه وتلويح.
ثم نقول : وقد قرئ ـ كما علمت ـ ملك يوم الدّين و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ولكلّ منهما من حيث اللغة معان ينفرد بها لا يشاركه فيها غيره.
وأهل الظاهر قد ذكروا بينهما فروقا شتّى ، ورجّح بعضهم قراءة «ملك» ورجّح آخرون قراءة «مالك» بالألف ، واستدلّ كلّ منهم على صحّة ما اختاره بوجوه تقتضيها اللسان ، ولست ممّن ينقل هنا تفاصيل مقالاتهم غير أنّي أذكر من ذلك ما يفهم منه الفرق بين
__________________
(١) ق : يفعل.
(٢) ق ، ه : لشيء.