ومتعلّق (١) ذلك الترجيح (٢) القراءة ب «ملك يوم الدّين» دون «مالك» ؛ لأسرار تقتضيها قواعد التحقيق :
أحدها : أنّ المالك مندرج في الاسم «الربّ» فإنّ أحد معاني الاسم «الربّ» في اللسان المالك ، والقرآن العزيز ورد بسرّ الإعجاز والإيجاز ، فلو ترجّحت القراءة بمالك ، لكان ذلك نوع تكرار ينافي الإيجاز ، والكشف التامّ أفاد أن لا تكرار (٣) في الوجود ، فوجب ترجيح القراءة إذا ب «ملك» دون «المالك» ،
والسرّ الآخر فيما ذكرنا يظهر بعد التنبيه على مقدّمتين :
إحداهما : استحضار ما ذكرت أنّ الآخر نظير الأوّل ، بل هو عينه ؛ فإنّ الخواتم عين السوابق.
والمقدّمة الأخرى : أنّ جميع الأمور الحاصلة في الوجود لم تقع عن اتّفاق ، بل بترتيب إلهي مقصود للحقّ ، وإن جهلته الوسائط والمظاهر.
وليس في قوّة الممكنات المتّصفة بالوجود في كلّ وقت قبول ما هو أشرف من ذلك ولا أكمل ، فإن لم تهتد العقول إلى سرّ ذلك الترتيب وسرّ الحكم الإلهيّة المودعة فيه ، فذلك للعجز الكوني والقصور الإمكاني ، وقد لوّحت بشيء من ذلك على سبيل التنبيه والتذكرة عند الكلام على أسرار حروف البسملة.
وإذا تقرّر هذا ، فأقول : آخر سور القرآن في الترتيب الإلهي الواقع المستمرّ الحكم ـ سواء (٤) عرف ذلك حال الترتيب أو لم يعرف ـ هو (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (٥) وهذا الاسم ورد في هذه السورة بلفظ «الملك» دون «المالك» وذكر عقيب الاسم «الربّ» مع عدم جواز القراءة فيها ب «مالك» ، فدلّ على أنّ القراءة ب «ملك» أرجح.
وأيضا فإنّ الحقّ يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحديّة على الكثرة في القيامة الكبرى ، والقيامة الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقيق بالوصول ، عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٦) والحاكم على الملك هو الملك ، فدلّ على أنّه أرجح.
__________________
(١) ق : ويتعلّق.
(٢) ق : الترجّح.
(٣) ق : تكرّر.
(٤) في الأصل : وسواء.
(٥) الناس (١١٤) الآية ١.
(٦) غافر (٤٠) الآية ١٦.