فمظهر (١) ذلك الأمر في كلّ وقت وحال لا يكون إلّا واحدا ؛ إذ بالوحدة الإلهيّة يحصل النظام ، ويدوم حكمه في الموجودات جميعها وإليه الإشارة بقوله عزوجل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢) وهذا من البيّن عند المحقّقين.
وإلى هذا الأصل يستند القائلون بالطوالع في أحكام المواليد وغيرها ، فيجعلون الحكم مضافا إلى أوّل ظاهر من الأفق حين الولادة والشروع في الأمر والانتهاء إليه ، وما سوى الأوّل الذي له السلطنة حينئذ فتبع له ، ومنصبغ بحكمه ، فافهم.
وقد عرفت أنّ الحقّ هو الأوّل والظاهر ، وقد نبّهت في هذا الكتاب على كثير من أسرار الأوّليّة في غير موضع (٣) منه ، فتذكّر ترشد ـ إن شاء الله تعالى ـ
ثم نقول : فتعيين الأوقات والأيّام والشهور والأعوام والأدوار العظام ، كلّها تابعة لأحكام الأسماء والحقائق المذكورة ، والعرش والكرسي والأفلاك والكواكب مظاهر الحقائق والأسماء الحاكمة المشار إليها ومعيّنات لأحكامها ؛ فبالأدوار تظهر أحكامها الكلّيّة الشاملة المحيطة ، وبالآنات تظهر أحكامها الذاتيّة من حيث دلالتها على المسمّى وعدم مغايرتها له ، كما بيّنّا ذلك من قبل ، وما بين هاتين المرتبتين من الأيّام والساعات والشهور والسنين فيتعيّن باعتبار ما يحصل بين هذين الأصلين من الأحكام المتداخلة ، وما يتعيّن بينهما من النسب والرقائق ، كالأمر في الوحدة التي هي نعت الوجود البحت ، والكثرة التي هي من لوازم الإمكان ، والموجودات الظاهرة بينهما والناتجة عنهما ، فافهم.
وانظر اندراج جميع (٤) الصور الفلكيّة وغيرها في العرش مع أنّه أسرعها حركة ، وكيف يتقدّر بحركته الأيّام؟! وارق منه إلى الاسم «الدهر» من حيث دلالته على الذات وعدم المغايرة كما بيّنّا ، واعتبر الآن الذي هو الزمن الفرد غير المنقسم ، فإنّه الوجود الحقيقي وما عداه فأمر معدوم سواء فرض ماضيا أو مستقبلا ، فللوجود الآن ، وللدور حكم الكثرة والإمكان ، ولمعقوليّة الحركة التعلّق الذي بين الوجود الحقّ وبين الأعيان ، فبين الآن والدوران المدرك مظهره في العيان ، وبين الوجود والإمكان المدرك بالكشف والمعقول في
__________________
(١) ق : فظهر.
(٢) الأنبياء (٢١) الآية ٢٢.
(٣) في الأصل : غير ما موضع.
(٤) ق : جمع.