من الغيب الذاتي ـ في كلّ وقت ومرتبة وحال وموطن ، وبالنسبة إلى كلّ اسم ـ لا يكون إلّا أمرا متعيّنا ذا بداية وغاية مقدّرة.
والحقائق الكلّيّة والأسماء الإلهيّة الحاكمة في الأكوان متناهية الأحكام ، لكنّ بعضها ينتهي حكمه جملة واحدة ، وبعضها ينتهي حكمه من الوجه الكلّي لا الجزئي التفصيلي.
وبيّنت أيضا أنّ الإنسان متعيّن متميّز متقيّد بعدّة أمور وصفات لا يمكنه الانفكاك عن كلّها لكن عن بعضها ، فكلّ ما يصل إليه من غيب الحقّ من تجلّ وخطاب وحكم فإنّه يرد بحسبه ، وينصبغ بحكم حاله ومرتبته ، ومبدأ الحكم الإلهي ومنشأه هو من التعيّن الأوّل ، وله النفوذ والاستمرار على نحو ما بيّن من قبل.
وإذا وضح هذا ، فنقول : أصل الزمان الاسم «الدهر» وهو نسبة معقولة كسائر النسب الأسمائيّة والحقائق الكلّيّة ، وهو من أمّهات الأسماء ، ويتعيّن أحكامه في كلّ عالم بحسب التقديرات المفروضة ، المتعيّنة بأحوال الأعيان الممكنة وأحكامها وآثار الأسماء ومظاهرها السماوية والكوكبيّة.
ولمّا امتاز كلّ اسم ـ من حيث تقيّده بمرتبة معيّنة ـ بأحكام مخصوصة ينفرد بها مع اشتراكه مع غيره من الأسماء في أمور أخر ، اقتضى الأمر أن يكون محلّ نفوذ أحكام كلّ اسم ومعيّنات تلك الأحكام أعيانا مخصوصة من الممكنات هي مظاهر أحكامه ومحلّ ربوبيّته فإذا انتهت أحكامه المختصّة به في الأعيان القابلة لتلك الأحكام من الوجه الذي يقتضي لها الانتهاء ، كانت السلطنة لاسم آخر في أعيان أخر ، وتبقى أحكام ذلك الاسم إمّا خفيّة في حكم التبعيّة لمن له السلطنة من الأسماء ، وإمّا أن ترتفع أحكامه ، ويندرج هو في الغيب ، أو في اسم آخر أتمّ حيطة منه وأدوم حكما ، وأقوى سلطانا ؛ هكذا الأمر على الدوام في كلّ عالم ودار وموطن ، ولهذا اختلفت الشرائع والإلقاءات والتجلّيات الإلهيّة ، وقهر ونسخ بعضها بعضا مع صحّة جميع ذلك وأحديّة الأصل وحكمه من حيث هو وأمره ، فافهم.
ولا تكون السلطنة والغلبة في كلّ وقت بالنسبة إلى كلّ مرتبة وموطن وجنس ونوع وعالم إلّا لاسم واحد ، ويبقى حكم باقي الأسماء في حكم التبعيّة كما أشرت إلى ذلك غير مرّة ؛ لأنّ السلطان لله وحده ، والألوهيّة الحاكمة الجامعة للأسماء واحدة وأمرها واحد ،