الذنوب ، وقبائح الأفعال.
ومن الأفعال ما يختصّ بأحوال الكمّل ، ونتائجها خارجة عن هذه التقاسيم كلّها ، ولا يعرف حكمها على التعيين إلّا أربابها ، والواصل من الحقّ في مقابلتها إلى من ظهرت به لا يسمّى جزاء ولا معاوضة.
وتسمية المحقّق مثل هذا جزاء وأجرا إنّما هي من حيث إنّ العمل المشروع يستلزم الأجر ؛ لكونه ناتجا عنه وظاهرا به ، كما أنّ الإنسان شرط في ظهور عين العمل في الوجود ، وتلك سنّة إلهيّة في هذا ونحوه ، لا أنّ هذا النوع من الجزاء يطلب من ظهر منه العمل أو به غير أنّه لمّا لم يكن العمل يقتضي لذاته قبول الأجر والانتفاع به ؛ لأنّه نسبة لا أمر وجودي ، أعاده الحقّ بفضله على من أضيف إليه ذلك الفعل ظاهرا من أجل ظهوره به وتوقّف وجوده عليه ، ولاستحالة عوده من هذا الوجه على الحقّ ، فإنّه كامل الغنى يتنزّه ويجلّ أن يعود من خلقه إليه وصف لم تكن ذاته من حيث هي مقتضية لذلك. وسرّ الأمر أنّ المطلوب من كلّ مرتبة من مراتب الوجود وبها وفيها ليس غير الكمال المختصّ بتلك المرتبة ومظاهرها ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وللأفعال والأعمال مرتبة ، ولها بداية وكمال ، فمبدؤها الحركة الحبّية والتوجّه الإرادي الكلّي ، المتعلّق بظهور الكمال الذي سبق التنبيه عليه عند الكلام على سرّ الإيجاد وبدئه. وكمالها هو ظهور نتائجها التي هي غاية كلّ فعل وعمل.
فكمال الأعمال ونتائجها إنّما يتمّ حصوله بصدورها عن الحضرة الذاتيّة الغيبيّة ، وبروزها إلى مرتبة الشهادة التي هي محلّ سلطنة الاسم «الظاهر» الذي هو مرآة الاسم «الباطن» ومجلاه ومقام نفوذ حكمه ، فإذا كملت في مرتبة الشهادة بظهور امتياز نتائجها عنها وتبعيّتها لها ، عاد الأمر كلّه إلى الحقّ مفصّلا (١) على نحو امتيازه عنده في حضرة علمه أزلا ، مع أن لا فاعل سواه ، لكن توقّف ظهور الأفعال على العباد وإن كانوا من جملة الأفعال ، فالأفعال إنّما تنسب إليهم في الحقيقة من حيث ظهورها بهم ، لا أنّهم الفاعلون لها.
وهكذا حكم الصفات التي توهّم الاشتراك بين الحقّ والخلق ، على اختلاف أحكامها
__________________
(١) ق : تفصيلا.