على الأشياء صورة الخلاف الذي وصفت به ، وبسرّ الإحاطة والمعيّة الذاتيّة الأحديّة حصل بين الأضداد الائتلاف ، فانتبه ، وإليه يرجع الأمر كلّه ، وما حرم كشفه ، فلا أبديه ولا أحلّه.
وممّا نبّه الحقّ سبحانه الألبّاء على أنّه في البداية الغاية والطريق المتعيّن بينهما بحسب كلّ منهما قوله بلسان هود ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام ـ : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) ، (١) فأشار إلى أنّه هو الذي يمشي بها ، ثم قال : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) فهم على صراط مستقيم ، من حيث إنّهم تابعون بالقهر لمن يمشي بهم ، وهذه هي الاستقامة المطلقة ، التي لا تفاوت فيها ، ولا فائدة من حيث مطلق الأخذ بالنواصي ومطلق المشي ، كما مرّ.
ونبّه في الذوق المحمّدي على سرّ هذا المقام بنمط آخر أتمّ ، فقال : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (٣) تنبيه منه أنّ الدعوة إلى الله ممّا هو المدعوّ حاصل فيه وعليه إيهام من وجه بأنّ الحقّ متعيّن في الغاية ، مفقود في الأمر الحاضر.
ولمّا كان حرف «إلى» المذكور في قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) حرفا يدلّ على الغاية ويوهم التحديد ، أمره أن ينبّه أهل اليقظة واليقين على سرّ ذلك ، فكأنّه يقول لهم : إنّي وإن دعوتكم إلى الله بصورة إعراض وإقبال ، فليس ذلك لعدم معرفتي أنّ الحقّ مع كلّ ما أعرض (٤) عنه المعرض كهو مع ما أقبل عليه ، لم يعدم من البداية فيطلب في الغاية ، بل أنا ومن اتّبعني في دعوة الخلق إلى الحقّ على بصيرة من الأمر ، وما أنا من المشركين ، أي : لو اعتقدت شيئا من هذا ، كنت محدّدا للحق ، ومحجوبا عنه ، فكنت إذا مشركا ، وسبحان الله أن يكون محدودا متعيّنا في جهة دون جهة أو منقسما ، أو أن أكون من المشركين الظانّين بالله ظنّ السوء.
وإنّما موجب الدعوة إلى الله اختلاف مراتب أسمائه بحسب اختلاف أحوال من
__________________
(١ و ٢). هود (١١) الآية ٥٦.
(٣) يوسف (١٢) الآية ١٠٨.
(٤) ق : عرض.