ثم إنّ العارف قد يرى هذه النسبة الباقية ، بعين الحقّ ومن حيث هو سبحانه ، لا من حيث نفسه ، ولا بعينه وبحسب مرتبته ، فيحكم بأنّ مشاهدة تلك النسبة الباقية لا تقدح في تجريد التوحيد ، وربما ذهل عنها ـ لقوّة سلطنة الشهود ـ أو حجبته سطوة التجلّي عن إدراكها ، لكن عدم إدراكه لها لا ينافي بقاءها في نفس الأمر ؛ لأنّ عدم الوجدان لا يفيد عدم الوجود.
وإذا تقرّر هذا وعرفت أنّه لا مندوحة من (١) بقاء نسبة قاضية بامتيازك عنه واحتياجك إليه ـ ولو فرضت أنّها نسبة تعقّل امتيازك عنه بنفس التعيّن فقط ـ فاجمع همّك عليه ، وخلّص توجّهك إليه من أصباغ الظنون والاعتقادات والعلوم والمشاهدات وكلّ ما تعيّن منه لك أو لسواك ، (٢) أو كان ممّا منعه غيرك وخصّك به دون الخلق وحباك وقابل حضرته ـ بعد تخليص توجّهك على النحو المذكور ـ بالإعراض في باطنك عن تعقّل سائر الاعتبارات الوجوديّة والمرتبيّة الإلهيّة الأسمائيّة ، والكونيّة الإمكانيّة إعراض سائل (٣) [و] حر (٤) عن الانقهار بحكم شيء منها والتعشّق به ، ما عدا تلك النسبة المعيّنة (٥) بينك وبينه ، من حيث عينك لا عينه ، فتكون متوجّها إليه من حيث ثبوت شرفه عليك وإحاطته بك وبما لديك توجّها هيولانيّ الوصف ، معتليا على الصفات والأسماء على ما يعلم نفسه في أكمل مراتب علمه بنفسه وأعلاها وأوّلها نسبة إليها وأولاها دون حصر في قيد أو إطلاق أو تنزيه أو تشبيه ، كما قلنا أو نفيهما ، أو الحصر في الجمع بينهما ، بقلب طاهر أخلص من هذا التوجّه ، قابل لأعظم التجلّيات ولتفني وحدة توجّهك الخالص المحرّض على التجلّي به سائر متعلّقات علمك وإرادتك ، فلا يتعيّن لك معلوم ، ولا مراد ولا حال ولا صفة إلّا توجّهك الذاتي الكلّي المذكور المنزّه عن كلّ تعين. ومتى تعيّن لك أمرا ـ إلهيّا كان أو كونيّا ـ كنت ـ بحسبه وتبعا له من حيث هو ، لا من حيث أنت ـ بحيث إنّه متى أعرضت عنه عدت إلى حالك الأوّل من الفراغ التامّ بالصفة الهيولانيّة المطلقة المذكورة ، بل وزمان تبعيّتك (٦) لما تعيّن لك ، إنّما
__________________
(١) ق : عن.
(٢) ق : لسوالك.
(٣) ق ، ه : سال.
(٤) كذا في الأصل. ولعلّه : حد من حاد يحيد أي مال يميل. أو حر من حار يحور أي رجع. والله عالم. هذا إذا كانت الكلمة أمرا وسقط الواو. وأمّا إذا كانت ما يضاف إليه «سائل» فهي شيء آخر.
(٥) المتعيّنة.
(٦) ه : بتبعيّتك.