ثم نقول : والمسمّى عالما لم يكن مظروفا للحقّ ؛ لاستحالة ذلك ، ولا ظرفا له «لأنّ الله كان ولا شيء معه» ، ولا كان عدما محضا فصار وجودا ؛ لأنّه لو كان كذلك لزم انقلاب الحقائق ، وأنّه محال ، فمن المدرك منّا؟ ومن المدرك؟ ومن العالم من مجموع ما ذكرنا؟ ومن الحقّ؟ ومن العالم والعلم والمعلوم؟
والنسب كما بيّنّا أمور عدميّة لا وجود لها إلّا في الأذهان ، والأذهان وأصحابها لم يكونوا ثم كانوا ، وكينونة الجميع إن كانت من النسب كما مرّ فقد ظهر الموجود من المعدوم ، وإن كانت ظاهرة عن الوجود ، فالوجود لا يظهر عنه ما لا وجود له ولا أثر له كما مرّ من حيث هو وجود صرف ؛ لأنّه واحد ، والواحد البحت لا ينتج شيئا ولا يناسب ضدّه ، فيرتبط به ، وما لا وجود له مضادّ للوجود ، فكيف الأمر؟
ولا يظهر عن الوجود أيضا عينه ؛ لأنّه يكون تحصيلا للحاصل ، وإن ظهر عنه عينه لا على النحو الحاصل لا بدّ له من موجب غير نفس الوجود ؛ لأنّه لو كان موجبه نفس الوجود لزم مساوقته له أزلا وأبدا ، ولا جائز أن يكون موجبه وجودا آخر ؛ لما يلزم من المفاسد البيّنة الفساد لو كان كذلك ، ولا جائز أيضا أن يكون الموجب نسبة عدميّة ؛ لأنّه يلزم حينئذ تأثير المعدوم في الوجود.
واستناد كلّ ما ظهر إمّا إلى ما لا وجود له ، وإمّا لوجود ونسبة معا بشرط اجتماعهما ، واجتماعهما إن كان طارئا لزم منه مفاسد لا تكاد تنحصر ؛ لأنّ المقتضي للاجتماع إمّا كلّ منهما أو أحدهما أو ثالث ، فإن كان الوجود ، لزم أن يكون فيه جهة تقتضي الاقتران بالنسبة المعدومة ثانيا ، مع عدم اقتضائها ذلك أوّلا ، وفيه ما فيه من المحالات التي لا حاجة إلى تعديدها.
وإن كانت النسبة هي المقتضية للجمع ، لزم أن يكون ما لا وجود له يوجب حكما وأثرا في الوجود ، وأن يكون سببا لظهور كلّ موجود ، وغير ذلك من المحالات مع أنّ الجمع في نفسه لا وجود له ، بل هو نسبة كما مرّ.
وإن كان (١) أمرا ثالثا عاد السؤال ؛ لأنّ ذلك الثالث لا يخلو ، إما أن يكون وجودا أو نسبة
__________________
(١) ق : كانت.