والقسم الآخر ما هو ضرب مثال لأمر (١) آخر يعلمه بالإرشاد الإلهي أهل النهي وهو على ضربين أيضا :
الضرب الواحد هو ما كان المثال نفسه فيه مرادا بالقصد الأوّل أيضا كالأمر الذي لأجله وقع التمثيل ، وذلك لشرف المثال وتضمّنه الفوائد العزيزة.
والضرب الآخر هو أن يكون المراد بالقصد الأوّل ما لأجله ضرب المثال وقصد به التنبيه عليه. وأمّا ما يتضمّن المثال من الفوائد فيقع مرادا بالقصد الثاني لا بالقصد الأوّل.
ولو لا الخوف من العقول الضعيفة ، ورعاية الحكمة التي راعاها الشارع ويلزمنا الوقوف عندها ، لذكرنا من كلّ قسم مسألة شرعيّة ، ونبّهنا على أصلها في الجناب الإلهى ، لكن نذكر أنموذجا يكتفي به اللبيب ، وهو أنّ المراد بالقصد الأوّل ينقسم إلى قسمين : مطلق ، ومقيّد :
فالمطلق الكمال المتحصّل من تكميل مرتبة العلم والوجود ، وقد نبّهت عليه غير مرّة ، ومنذ قريب أيضا.
والمقيّد في كلّ زمان وعصر كامل ذلك العصر ، وما سواه مراد له وواقع بالقصد الثاني من تلك الحيثيّة وإن كان واقعا باعتبار آخر بالقصد الأوّل ؛ لما أشرنا إليه ، ويتلو هذا ـ أعني المراد بالقصد الأوّل ـ فيما ذكرنا (٢) أوائل المخاطبين ؛ فإنّهم أوّل هدف تعيّن لسهام الأحكام الشرعيّة وخصوصا من كان سببا لنزول حكم مشروع لم يقصد الشارع تقريره ابتداء ، فافهم ترشد إن شاء الله تعالى.
والقسم الآخر ما قصدت به مصلحة العالم من حفظه ، وصلاح حال أهله آجلا كالعلوم ، والأعمال النافعة في الدنيا والآخرة ، وعند الله ومن شاء من عباده نفعا يعمّ صور المنتفعين وأرواحهم ، وعاجلا كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٣) ، وكأخذ الزكاة من الأغنياء وردّها على (٤) الفقراء ، وترك قتال الرهبان لما لم يتعلّق بذلك مصلحة ، وأخذ الجزية وغير ذلك ممّا ذكر في سرّ النبوّة والسبل والفوائد المتعيّنة منها (٥).
__________________
(١) ق : الأمر.
(٢) ق : ذكر.
(٣) البقرة (٢) الآية ١٧٩.
(٤) ق : في.
(٥) كذا في الأصل ـ ولا يخفى أنّ الأقسام سبعة وإلى هنا تمّت ثلاثة أقسام فالظاهر أنّ الثلاثة الأخرى سقطت. وكذا سقطت الثلاثة الأخرى في نسخة الهند.