المضاهاة كما بيّن (وَما فِي الْأَرْضِ) وهو مرتبة سفله وطبيعته من حيث الاعتبار أيضا وما بينهما وهو مرتبة جمعه (وَما تَحْتَ الثَّرى) وهو نتائج أحكام طبيعته التي سفل (١) عن مرتبة الطبيعة من كونها منفعلة عنها ؛ إذ رتبة المنفعل تحت مرتبة الفاعل من كونه فاعلا وتمّ الأمر وحينئذ يظهر قرب الفرائض المقابل لقرب النوافل المشار إليهما في الحديثين المشهورين ب «كنت سمعه وبصره» وبقوله : «إنّ الله قال على لسان عبده : سمع الله لمن حمده» ثم يقول لسان (٢) مرتبة الاسم «الله» : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٣) لانقلاب كلّ صفة وقوّة من صفات العبد وقواه اسما من أسماء الحقّ ويبقى العبد مستورا خلف حجاب غيب ربّه فينشد لسان حاله حقيقة لا مجازا ، شعر :
تستّرت عن دهري بظلّ جناحه (٤) |
|
فعيني ترى دهري وليس يراني |
فلو تسأل الأيّام ما اسمي؟ ما درت |
|
وأين مكاني؟ ما درين مكاني |
لأنّه تنزّه عن الكيف والأين ، وحصل في العين ، واحتجب (٥) من حيث مرتبته (٦) عن عقل كلّ كون وعين ، في مقام العزّة والصون.
ثم يتلى عليه من تلك الإشارات بلسان الحال (٧) قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) (٨) وهي الأحكام الكونيّة المظهرة حكم الكثرة من حيث ظهورها بهذا الإنسان ونسبة الفعل فيها إليه (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٩) بأحديّة الجمع الإلهي كما مرّ ذكره ، (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، وهم أهل الستر الإلهي الغيبي المشار إليه : ب (يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (١٠) وأيّ مقيل ومستقرّ خير وأحسن من الثبوت في غيب الذات وستره والتحرّز من عبوديّة (١١) الأكوان والأغيار ، وقيام الحقّ عنه بكلّ ما يريده سبحانه منه؟ ثم قال : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) (١٢) فالسماء بلسان المقام المشار إليه لمرتبة العلوّ لا محالة ، والعلوّ في
__________________
(١) ق : تسفل.
(٢) ق : بلسان.
(٣) طه (٢٠) الآية ٨.
(٤) ق : جنابه.
(٥) ق : فاحتجب.
(٦) ه : مرتبة.
(٧) ق : الجمال.
(٨) الفرقان (٢٥) الآيات ٢٣ ـ ٢٥.
(٩) الفرقان (٢٥) الآية ٢٣.
(١٠) الفرقان (٢٥) الآية ٢٤.
(١١). ق : التجرد من عبوديته.
(١٢). الفرقان (٢٥) الآيات ٢٣ ـ ٢٥.