قسم يختصّ به الحقّ ، وقسم ينفرد به الكون ، وقسم يقع فيه الاشتراك في المقام النفسي العمائي الذي هو السرّ الجامع المشار إليه.
فالمختصّ بالحقّ سبحانه أمور لا يشارك فيها ، وهي على نوعين : ثبوتيّة باعتبار ، وسلبيّة باعتبار ، فالثبوتيّة منها : إحاطته (١) الوجوديّة والعلميّة ، وتقدّم وجوده على كلّ متّصف بالوجود ، وأوّليّة الإرادة والطلب ، وقبوله في كلّ وقت وحال وموطن ومظهر ومرتبة كلّ حكم بحسب كلّ حاكم وما ذكر والجمع بين وجوب الوجود ووجوب الثبوت على الدوام.
والسلبيّة منها : كونه سبحانه لا يتقيّد ، ولا يتميّز ، ولا ينحصر ، ولا أوّليّة لوجوده ، ولا يحاط به ، فهذه الأمور يستحقّها بكلّ وجه وعلى كلّ حال ، فإنّها من مقتضيات ذاته ليس أنّ تلك الأمور لم تكن ذاته تقتضيها ، بل عرضت في مرتبة المظاهر الكونيّة وبالنسبة إليها ، وأضيفت إليه (٢) بسببها ؛ إذ لو كان كذلك ، لعاد إلى الحقّ من الأعيان والحقائق به أو بها جمعا وفرادى ما لم تكن ذاته تقتضيه أزلا ، فيكون سبحانه قد تجدّد له من غيره أو بغيره قبول حكم أو وصف ، وثبت (٣) ذلك له بثبوت الغير لكن لو فرض زوال ذلك الغير لزال ذلك الأمر ؛ (٤) لأنّ ذاته لم تكن تقتضيه بدون هذا الغير ، وهذا لا يصحّ ؛ لأنّه يلزم منه قيام الحوادث بذات الحقّ وقبوله للتغيّر (٥) ، وأن يعاد فيحكم على الثابت نفيه بأنّه واجب الثبوت أو ممكنه ، وهذا من باب قلب الحقائق ، وأنّه محال.
غير أنّ هنا سرّا دقيقا فيه ـ لعمر الله ـ تحقيق (٦) ، وهو أنّ هذه الصفات بأسرها وسواها لا تعلم (٧) ولا يظهر ثبوتها وتعيّنها إلّا في العماء الذي هو البرزخ المذكور ، الفاصل بين الغيب المطلق الذاتي والشهادة ، كما ستعرفه ـ إن شاء الله تعالى ـ فالثابت الآن للحقّ في كلّ شأن ـ كائنا ما كان ـ هو ما اقتضته ذاته أزلا ، وكذلك الثابت لغيره من حيث حقيقته ، والثابت نفيه أيضا عنه وعن سواه ، فالمتجدّد إنّما هو ظهور تعيّن تلك الأمور ومعرفتها للأعيان وبها ،
__________________
(١) ق : إحاطية.
(٢) في بعض النسخ : إليها.
(٣) يثبت.
(٤) ب : الأمور.
(٥) ب : للتغيير.
(٦) ق : تحقين.
(٧) ب : لم يعلم.