الهداية الحاصلة للذين ذكر وصفهم إلى آخر السورة بصفتي الإثبات والنفي التنزيهي ، وهو الانسلاخ من النسب الكونيّة والصفات العارضة ، والبقاء على الأصل الذي هو الثبوت الإمكاني المقابل للنور مقابلة العبوديّة الكاملة للربوبيّة ، وهو مقام الاستهلاك الثاني في الحقّ ، كما سألوّح ببعض أسراره من بعد عند الكلام على سرّ الهداية ـ إن شاء الله تعالى ـ مضافا إلى ما سلف ذكره في سرّ الفتح والعلم.
ويختصّ بهذه المرتبة العبادات الليليّة والتي لها الآخريّة ؛ ومن القائمين بحقّ (١) مظهريّة هذه المقامات الكلّيّة «الظالم».
وأمّا البرزخ المنعوت بالضياء ، والمسمّى بالعماء ، فيستند (٢) إليه مقام (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٣) ومن شأنه أن يدرك ويدرك به ، ويختصّ به العبادات البرزخيّة الجامعة ، كالمغرب والصبح وكلّ ما لا يتقيّد بأوّليّة و (٤) آخريّة.
ومن الورثة القائمين بحجج الله وحقّ مظهريّة هذه المقامات الكبرى الإلهيّة «المقتصد» القائم في الوسط والموفي كلّ ذي حقّ حقّه ، كربّه الذي أعطى كلّ شيء خلقه ، فهذا مقام الفرديّة الأولى (٥) ، الذي وقع فيه الإنتاج والتناسل بالنكاح الغيبي والروحاني والطبيعي والعنصري والجامع بين جميعها.
ومن هذه تعرف شرائع الإسلام الخمس ، والصلاة (٦) وغير ذلك ، وتعرف هذه من الحضرات الخمس الأصليّة ، وسيرد في الكلام على الاسم «الربّ» في قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) من ذلك ما ييسّر الله ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ
ثم نقول (٧) بلسان هذا المقام البرزخي الجامع : فالأحكام الإلهيّة تبدو من الحقّ من حضرة غيبه وترجع إليه كما أخبر ولكن بالممكنات ، وأحكام الممكنات يتّصل من بعضها بالبعض ولكن بالحقّ ، فللممكنات من الحقّ الإظهار الإيجادي ، والذي لحضرته منها القبول ، وكونها شرطا في رجوع أحكام الأسماء المتعيّنة بها وإظهار آثارها من الحقّ إلى الحقّ كما مرّ آنفا
__________________
(١) ق : الحق.
(٢) ه : يستند.
(٣) الفاتحة (١) الآية ٥.
(٤) ب : أو.
(٥) ق : لا توجد.
(٦) ق : صلوات.
(٧) ب : فنقول.