وكما أشرنا (١) إليه في سرّ التصوّرات من قبل. وأوّليّة المرتبة في العلم للكون من حيث إنّ العلم إنّما تعلّق بالعالم على حسب ما اقتضته حقيقته وحقيقة التعلّق والمتعلّق من كونه متعلّقا ؛ فإنّ التعلّق تابع لما تعلّق به ولحكمه غير أنّ الحقّ علم حقائق الأشياء من ذاته ؛ لارتسامها فيه ، فلم يكن له علم مستفاد من خارج ، فهو تقدّم وتأخّر بالمرتبة والنسبة لا غير ، فافهم. والأوّليّة للوجود في الحقّ (٢) كما ذكر في أوّل القاعدة.
فلسان التقدّم الوجودي قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٣) ، وقوله : (هُوَ الْأَوَّلُ ... وَالْباطِنُ) (٤) ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «كان الله ولا شيء معه» ولسان الاسم «الآخر» المشار إليه (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (٥) و (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (٦) ونحو ذلك وقوله صلىاللهعليهوآله : «إنّ الله لا يملّ حتى تملّوا» (٧) ، «ومن عرف نفسه عرف ربّه» (٨) ، «ومن تقرّب إليّ شبرا ، تقرّبت منه ذراعا» (٩) ونحو ذلك ، فافهم ما دسست لك من الأسرار بلسان الإيماء في هذه القاعدة.
واعلم أنّ مجموع ما ذكر ـ من التقدّم والتأخّر والتعلّق والإظهار والقبول وغير ذلك ـ واقع في كلّ نفس ، ولا ينفكّ مجموع الحكم عن مجموع ما تعلّق به ، فكلّ موجود فحكمه مع الأسماء حكمها مع المسمّى. والانفكاك محال من كلّ (١٠) وجه وعلى كلّ حال وتقدير وفي كلّ مرتبة.
فالعالم بمجموعه مظهر الوجود البحت ، وكلّ موجود على التعيّن مظهر له أيضا ، ولكن من حيث نسبة اسم خاصّ في مرتبة مخصوصة من المراتب ، والوجود مظهر لأحكام الأعيان ، وشرط في وصولها من بعض الممكنات إلى البعض ، وفي العلم بنفس (١١) وببعضها بعضا في البرزخ المذكور الذي هو المرآة الكلّيّة.
ولهذا السرّ والمقام تفاصيل لا يسع الوقت ذكرها ، وإنّما أوردت هذا القدر وفاء لما
__________________
(١) ق : أشرت.
(٢) ق : في الوجود للحق.
(٣) الزمر (٣٩) الآية ٦٢.
(٤) الحديد (٥٧) الآية ٣.
(٥) محمّد (٤٧) الآية ٧.
(٦) الأنعام (٦) الآية ١٣٩.
(٧) ر. ك : المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث مستدرك الوسائل ، ج ٧ ، ص ٥٣٩.
(٨) كشف المحجوب ، ص ٢٤٧.
(٩) جامع المسانيد ، ج ١٣ ، ص ٧١٥.
(١٠) ق : بكلّ.
(١١). ق : بنفسها.