التزمته من تبيين الأشياء المتكلّم عليها من أصولها ، والتعريف بحقائقها ، وإلّا فالمتكلّمون على الفروع والأصول والتفاصيل نقلا وفهما وذوقا قد أكثروا من ذكر نتائج الحقائق والمقامات المتجلّية في مرتبة الخواطر والأفكار والقلوب ، ولكن قلّ من يعرّف بحقيقة المرتبة والمقام تعريف عليم خبير بحيث يتشخّص في نفس المخاطب كأنّه يراها رأي عين ، ثم يتكلّم على نسبها وتفاصيلها وأحكامها بكلام يظهر فيه اطّراد حكم الأصول التي أسّس عليها البيان التفصيلي ، بحيث لا تنقض الأصول عليه شيئا من الأمور التفصيليّة المسندة إليها ، بخلاف الأكثرين ؛ فإنّهم لم يستشرفوا على أمّهات الحقائق وأصول المقامات ، بل يتكلّمون على التفاصيل منتقلين من بعض الفروع إلى بعض آخر ، ولذلك يقع الخلاف بينهم ، ويرد النقض عليهم ، ويبدو حكم الحيرة فيهم عند المحاقّة ، وفي الجملة ، فالغرض من تقديم هذه الأصول هو ما ذكرنا.
وليتنبّه الواقف على هذا المسطور بما أوردنا ، فيعرف كيفيّة بروز العالم من الغيب إلى الشهادة بالنفس الرحماني ، ويعلم أوّليّة مقام الوحدة وما يتبعها ممّا ذكر ويذكر سرّ الأسماء وأسماء الأسماء ، وسرّ التسمية وسرّ التجلّي الساري ، وكون الموجودات كلمات الله التي لا تنفد ، وكون الإنسان نسخة الحضرتين المذكورتين.
فانتشاء الحروف والكلمات من نفسه في مراتب المخارج نظير انتشاء الموجودات من النفس الرحماني ، وتعيّنها في المراتب الوجوديّة التي آخرها الشهادة ، عند الخروج من الغيب بالإرادة الإلهيّة والقول الأمري.
والتغاير الواقع هناك بحسب المراتب الأسمائيّة ، وتنوّعات توجّهاتها ، واختلاف الحقائق الكونيّة ومراتبها واستعداداتها ، نظيره عندنا التغاير الواقع في الحروف الإنسانيّة بحسب المقاطع (١) والانتهاءات الحاصلة في المخارج ، فالنفس وإن لم يكن متناهيا فإنّه لا يمكن أن يتعيّن (٢) منه في الوجود في كلّ زمان إلّا أمر متناه ؛ لتقيّد قبول القوابل والمراتب وتناهيها.
ومن هنا يعلم سرّ «أكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة» فقيّد ولم يطلق رعاية للقابل ، مع عدم تناهي الممكنات والعلم الإلهي المتعلّق بها ، ولأنّ ما لا يتناهى لا يمكن دخوله في
__________________
(١) ق ، ه : التقاطع.
(٢) ق : يعيّن.