قلناه. يبين ذلك أن الحي لا يخلو عن الصفة. وضدها لأن خلوه عن الصفتين كحصوله عليهما ، فكما لا يجوز أن يحصل على حالتين ضدين ، كذلك لا يجوز أن يخلو عنهما جميعا. وإنما جمعنا بين الخلو والاجتماع ، لأن بعد أحدهما في العقل كبعد الآخر.
وربما أكدوا ذلك بالمحل واستحالة خلوه من الأكوان.
وجوابنا عن ذلك ، ما تريدون بقولكم أنه تعالى لو لم يكن متكلما فيما لم يزل لوجب أن يكون أخرس أو ساكتا؟ أتريدون به أنه لو لم يكن متكلما ، مع صحة أن يكون متكلما أو مع استحالة أن يكون ذلك فيه؟ فإن أردتم به مع الاستحالة فلا يصح ، وإلا كان يجب أن تكون الجمادات كلها ساكتين خرسا ، والمعلوم خلافه.
وإن أردتم به مع الصحة ، فمن أين ثبت لكم صحة هذه الصفة على الله تعالى فيما لم يزل ، وكيف يصح أن يكون متكلما فيما لم يزل ، مع أن المتكلم ليس إلا فاعل الكلام ، فإن قالوا : لأنه حاصل على هذه الصفة فيما لا يزال ، ولو لا صحتها فيما لم يزل ، وإلا كان لا يحصل عليها الآن ، كما في كونه عالما ، فإنه لما كان عالما الآن وجب صحة أن يكون عالما فيما لم يزل.
قلنا لهم : ولم جمعتم بينهما ، ولم صار كونه متكلما بأن يكون مردودا إلى كونه عالما ، أولى من أن يرد إلى كونه فاعلا؟
فإن قالوا : لأن كل واحدة من الصفتين مستحقة للذات.
قلنا : وفي هذا خولفتم ، وفيه وقع النزاع ، فكيف يصح هذا الاستدلال؟ ثم يقال لهم : إن أحدنا إذا لم يكن متكلما ، فإنما يجب أن يكون أخرس أو ساكتا لأنه متكلم بآلة ، ومتى لم يستعمل تلك الآلة في الكلام كان ساكتا ومتى لحقته ، آفة من رطوبة مفرطة أو جفاف مفرط كان أخرس ، والقديم تعالى متكلم لا بآلة ، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر ، هذا هو الجواب عن الأول.
وأما الجواب عن الثاني ، فإنا نقول لهم : قولكم إن الحي لا يخلو عن الشيء وعن ضده ليس يصح ، لأنا قد ذكرنا أن الواحد منا مع صحة كونه عالما بتصرفات الناس في الأسواق قد لا يريدها ولا يكرهها ، فقد خلا عن الصفة وضدها ، وأما ما قالوه من أن خلوه عن الصفتين كحصوله عليهما ، فإن ذلك جمع بين أمرين من غير علة جامعة ، وأما قياسهم ذلك على الجوهر والكون ، فلا وجه له ، لأن ذلك إنما وجب في الجوهر والكون عندنا ، لأن وجود أحدهما مضمن بوجود الآخر ، وليس كذلك في