فَيَكُونُ (٨٢)) [يس : ٨٢] ، ويقولون : لو لم يكن هذا «الكن» قديما لوجب أن يكون محدثا ، فكان لا يحدث إلا بكن آخر ، والكلام في ذلك الكن كالكلام فيه فيتسلسل إلى ما لا نهاية له.
وجوابنا : ما هذا الذي توجبون قدمه؟ أهو هذا المركب من الكاف والنون ، أو غيره ، فإن قالوا : هو الذي يركب من هذين الحرفين ، فقد أحالوا ، ولا شك في حدوثه ، فكيف يلتبس الحال في ذلك وأحدهما يتقدم على الآخر ويعدم عند وجوده ، ويمكننا الإتيان بمثله ، وكل هذه الوجوه مما يقدح في قدمه ويدل على حدوثه.
فإن قالوا : لا بل الذي أوجبنا فيه القدم هو المعنى القائم بذاته. قلنا : ليس في الآية ما يدل على ذلك المعنى فضلا عن ما يدل على حدوثه أو قدمه ، فسقط تعلقهم به.
ثم يقال لهم : إن «كن» لا يؤثر في كينونة شيء أصلا ، إذ لو أثر لكان مؤثرا سواء كان من جهتنا أو من جهة الله تعالى ، فإن المؤثرات لا تختلف بحسب اختلاف الفاعلين. ألا ترى أن الحركة لما كانت مؤثرة في كون الجسم متحركا لم تختلف بحسب اختلاف الفاعلين ، كذلك كان يجب هاهنا ، ومعلوم أنا وإن أكثرنا من قول «كن» لم نحصل به شيئا.
وبعد ، فلو استدللنا بهذه الآية لكنا أسعد حالا منكم ، لأن في الآية لفظة «أن» ، وهذه اللفظة إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت الاستقبال ، وذلك يقتضي حدوثه ، وكما أن في الآية دليل على حدوث «كن» ، ففيها دليل على حدوث الإرادة ، لأن لفظة «إذا» ، إذا دخلت على الفعل في الماضي أفادته الاستقبال. وبعد ، فإنه تعالى عقب «كن» بالمكون ، وما يعقبه المحدث لا يجوز أن يكون قديما ، لأن من حق القديم أن يتقدم على ما ليس بقديم بما لو قدر تقدير الأوقات لكانت بلا حصر ، ففسد تعلقهم بهذه الآية من سائر الوجود.
ثم الغرض بهذه الآية وما يجري مجراها إنما هو الدلالة على سرعة استجابة الأشياء له من غير امتناع ، ونظيرها من كتاب الله تعالى قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصلت : ١١] ومن كلامهم ، قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
وحدرتا كالدر لما يثقب |
فإن الغرض ليس إلا سرعة استجابة الدمع له.
واعلم أن من مذهب شيخنا أبي الهذيل أنه تعالى إذا أراد الإحداث ، فإنه إنما