المعتمرون أولا ثم الوافدون لحجّ بيت الله الحرام من كلّ فجّ عميق ، وهو يروي لهم عن جدّه الرسول (ص) عن الله ما يخوّفهم معصيته ، ويحذّرهم عذابه في يوم القيامة ، ويدعوهم إلى تقوى الله وطلب مراضيه ، وينبّههم إلى خطر الخلافة القائمة على الإسلام ، فيسمعون منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر ، وبقي هكذا حتّى أقبل يوم التروية ، وأحرم الحاجّ للحجّ ، واتّجهوا إلى عرفات ملبّين.
في هذا الوقت خالف الإمام الحجيج وأحلّ من إحرامه وخرج من الحرم قائلا أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لانّي لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم ، ولأن أقتل خارجا منه بشبر أحبّ إليّ من أقتل داخلا بشبر. إنّ الإمام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق لألي الحكم ؛ بل قال : أذهب لاقتل خارجا من الحرم بشبر.
ويعود الحجيج إلى مواطنهم ويبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخفّ والحافر ، يبلغ خبره إلى أيّ صقع من أصقاع الأرض يمرّ به ركب الحجيج الذي يحمل معه إلى المسلمين في كلّ مكان النبأ العظيم ، نبأ خروج سبط نبيّهم على الخلافة القائمة ودعوته المسلمين إلى القيام المسلّح ضدّ الخلافة لأنّه يرى الخليفة قد انحرف عن الإسلام ويرى الخطر محدقا بالإسلام مع استمرار هذا الحكم ، فيتعطّش المسلمون في كل مكان لمعرفة مآل هذه المعركة ، معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة ، ويتنسّمون أخبارها فيبلغهم أنّ الحسين (ع) خرج لا يلويه شيء ، ولا يثني عزمه تحذير المحذّرين ، ولا تخذيل المخذّلين ، لا يلويه قول عبد الله بن عمر : استودعك الله من قتيل ، ولا قول الفرزدق : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة ، ولا كتاب عمرة وحديثها عن عائشة عن رسول الله أنّه يقتل بأرض بابل ، هكذا تبلغهم أخبار الإمام خبرا بعد خبر ، ويمضي الحسين (ع) متريثا متمهلا لا يخفي من أمره