عصر غيبته الكبرى ، حيث تحوّلت الحلقات الدراسيّة التي كانت تعقد في المساجد والبيوت على عهد الأئمّة إلى معاهد تعليميّة وحوزات علميّة شيّدت في بلاد كبيرة مثل بغداد ، على عهد المفيد والمرتضى ، والنجف الأشرف على عهد الطوسي وغيره ، ثمّ كربلاء والحلّة واصفهان وخراسان وقم في أزمان غيرهم.
ولم يزل منذئذ ولا يزال يهاجر إلى تلك المعاهد والحوزات طلاب العلوم الإسلاميّة من كلّ صقع عملا بالآية الكريمة :
(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة / ١٢٢.
يجتمعون في تلك المعاهد والحوزات حول أساطين العلم ويستقون من معينهم ثمّ يرجعون إلى بلادهم ليقوموا بحمل الدعوة الإسلاميّة إلى كلّ صقع ، دأبوا على ذلك في خدمة الإسلام جيلا بعد جيل ، وكانوا وما يزالون مع المسلمين في كلّ نازلة ، يحاربون خصوم الإسلام أعداء الله وأعداء رسوله أبدا ، ويدافعون عن المسلمين في كلّ مكروه وكذلك لم يزل وما يزال يحاربهم بكلّ سلاح في كلّ عصر ؛ كلّ كافر وملحد ومنافق عليم يريد أن يقضي على الإسلام! وذلك لان نواب الإمام هؤلاء حملوا لواء الإسلام بعده ، وطبيعي أن يهاجم في المعارك حامل اللواء.
ونذكر على سبيل المثال من نواب الإمام في الغيبة الكبرى الشيخ الكليني ، وكان أوّل موسوعيّ في هذه المدرسة اشتهر بتأليفه الكافي ، ثمّ توالت التآليف الموسوعيّة بعده غير أنّ الذين جاءوا بعده كانوا يعنون بنوع واحد من الحديث فيجمعونه في مؤلّفاتهم ، وغالبا ما كانت العناية متّجهة إلى تجميع أحاديث الأحكام مثل ما فعله الشيخ الصدوق في : «من لا يحضره الفقيه» والشيخ الطوسي في : «التهذيب والاستبصار» والشيخ الحرّ العاملي في :