تواجههم ، لأنّهم يدركون جيداً أنّ العالم يبتني على سلسلة من العلل والأسباب الطبيعية ، وانّ المجتمع الإنساني ملزم ـ لنيل مطالبه ـ أن يطرق باب تلك العلل والأسباب ويلج هذا الطريق للوصول إلى أهدافه ومقاصده.
إنّ الأنبياء العظام والأولياء الصالحين لم يركنوا في حياتهم ـ الفردية أو الاجتماعية ـ على المعجزة والكرامة ، وما شابه ذلك ، بل كانوا ـ بالإضافة إلى الركون إلى فضله سبحانه وكرمه ـ يعدّون العدّة لكلّ شيء ، ويجدّون في العمل والمثابرة وبذل أقصى الجهود لنيل أهدافهم ، وحتّى في الحالات التي تتأزّم فيها الأُمور وتبلغ القلوب الحناجر وتحبس الأنفاس في الصدور وتوصد جميع الأبواب والسبل ، نجدهم عليهمالسلام لا ينهزمون ولا ينحنون أمام تلك العواصف ، بل يتوجّهون إلى ربّهم بالدعاء والتوسّل ـ التي تعد أيضاً من الأسباب الطبيعية التي ينبغي التمسّك بها ـ ولذلك يعتمدون على الله وعلى أنفسهم وجهودهم ، ولا ينتظرون من الآخرين حلّ المشاكل والأزمات لهم انطلاقاً من المثل العربي السائد «نفس عصام سوّدت عصاما ...».
إنّهم عليهمالسلام لا يعتمدون في ساحة الجهاد والحرية والاستقلال على الصدفة ، ولا يركنون إلى الأمل والتمنّي في أن تقع معجزة ما تحل لهم المشكلة. كلا أنّ ذلك لم يكن منهج الأنبياء والرسل والصالحين.
ثمّ إنّ القرآن الكريم يؤكد أنّ السعادة من نصيب الناس الذين يكون إيمانهم مقترناً بالعمل الصالح والجد والمثابرة ، وليس اعتباطاً أن تتكرر جملة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ثلاث وستين مرّة ، حيث تقرن الإيمان بالعمل ، وكأنّ الإيمان الحقيقي هو ذلك الإيمان المستتبع للعمل والجد والنشاط. (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ١ / ٣٤٥ ـ ٣٥٠.