تخطّيها وتجاوزها ، وهذه الحدود هي ألّا يدعوانه إلى الشرك بالله أو العصيان أو اقتراف الذنوب ، يقول سبحانه :
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ...). (١)
كما اعتبر القرآن وفي بعض الآيات الانقياد الأعمى والتأسّي اللّاموزون بالآباء والأجداد سبباً للانحراف والضلال ، ولذلك نراه سبحانه يحكي لنا حال أُولئك الأبناء الذين أطاعوا آباءهم بغير حق وتمسّكوا بركب الآباء والأجداد وعطّلوا آلة التفكير والتعقّل عندهم بقوله سبحانه :
(... إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ* وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ). (٢)
ولذلك انتقد القرآن الكريم هذا النوع من التفكير ، بل هذا التعصّب الأعمى بقوله :
(... أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ). (٣)
إنّ الإنسان الحرّ هو الإنسان الذي يمزّق كلّ حجاب يحول بينه وبين الوصول إلى الحقيقة ، وإنّه يسعى نحو الوصول إلى الحقيقة التي يفضّلها على كلّ شيء ويحبّها أكثر من كلّ شيء ، وإن كان يحترم ويبجّل والديه ويكنّ لهم وافر الاحترام والاعتزاز ، ولكن الحقيقة والحق عنده أكثر تبجيلاً واعتزازاً واحتراماً وأحرى أن تقدّم على غيرها.
__________________
(١). لقمان : ١٥.
(٢). الزخرف : ٢٢ ـ ٢٣.
(٣). المائدة : ١٠٤.