«النفاق» ، وإنّه في الواقع يمثّل محور ومركز جميع الخبائث والقذارات الروحية والخصال الذميمة ، ومن الآثار السلبية التي تخلّفها حالة النفاق في نفس الإنسان : «الحيرة» و «الضياع» ، وهذه الآثار تظهر على ملامح المنافق وفي طيّات أفعاله بصورة متواصلة وجليّة أكثر من غيرها من الآثار السلبية الأُخرى الناتجة عن النفاق ، وذلك لأنّ المنافق يعلم جيداً انّه ذو وجهين ولذلك يسعى جاهداً أن لا يطّلع أحدٌ من الناس على ما في داخله ، وبسبب التضاد الداخلي الذي يعيشه والحيرة والضياع المتواصل التي يشعر بها تطغى عليه حالة من القلق والاضطراب والخوف ، ولذلك سرعان ما يظهر كامنه وينكشف أمره.
ولقد أشار القرآن الكريم ومن خلال المثال إلى هاتين الصفتين التي تكون إحداهما وليدة الأُخرى ، حيث يقول سبحانه واصفاً حال المنافق :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١)
ولنفرض إنسان ما يعيش في الفلاة وفي محيط مظلم جداً تحيط به الوحوش الكاسرة والسباع المفترسة والحشرات السامة ، فاستوقد لنفسه ناراً ليرى من خلالها ما يحيط به ويحترز من المخاطر التي تحوم حوله ، ولكنّه يفاجأ بإعصار عاتٍ يطفئ النار ويذهب بالنور الذي أوجده لنفسه ، فما هي الحالة التي يعيشها حينئذٍ يا ترى ، فهل هناك أمر غير الحيرة والضياع والاضطراب والقلق؟!
إنّ حالة المنافق تشبه حالة هذا الإنسان الذي أصابه الإعصار وذهب بنوره فإنّه يعيش الحيرة والضياع والاضطراب والقلق ولا يختلف عن صاحبه أبداً ، بل
__________________
(١). البقرة : ١٧.