التقية تقع في نقطة مقابلة للنفاق ، وأنّ بينهما فرقاً جوهرياً وأساسياً ، إذ الإنسان المتّقي يكتم إيمانه ويظهر الكفر لأسباب وعوامل ضغط خارجية تقتضي ذلك ، وأمّا المنافق فيعيش على العكس منه تماماً إذ يظهر إيمانه ويضمر في نفسه الكفر.
ومن هنا وعلى هذا الأساس نعرف وبوضوح أنّ مفهوم «التقية» يختلف عن مفهوم «النفاق» في الأهداف والأغراض أيضاً ، لأنّ هدف المنافق هو إفساد المجتمع وقلب النظام الإسلامي والقضاء عليه ، والحال انّ هدف الإنسان المتّقي إصلاح المجتمع أو على أقل تقدير الحفاظ على حياته وعرضه وماله أمام تهديد وضغط العوامل الخارجية التي لا يمكنه التخلّص منها إلّا من خلال هذا الطريق.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى قصة مؤمن آل فرعون وسعيه المتواصل تحت ستار التقية للحفاظ على حياة النبي موسى عليهالسلام ، وهذا يعني أنّه كان ينسق مع فرعون ويظهر له الكفر لتحقيق هدف أكبر وهو الحفاظ على حياة النبي موسى ومن تبعه. ولذلك نراه وكما ينقل لنا القرآن الكريم ذلك يخاطب فرعون وقومه بأُسلوب دبلوماسي يدلّ على ذكائه وإيمانه العميق وهدفه السامي :
(... أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ...). (١)
فإذا كان المتّقي هدفه من إظهار الكفر الإصلاح والحفاظ على النفس والمال وسلامة المؤمنين واستقرارهم وعدم التعرض لهم من قبل الطواغيت
__________________
(١). غافر : ٢٨.