فإذا ما أنكرت هذه الطائفة من الآيات إنكاراً شديداً مسألة المساواة بين الصالحين والطالحين في الثواب والعقاب ، فإنّ الطائفة الثانية اعتبرت المعاد مقدّمة لعقاب العاصين والمجرمين وثواب المطيعين والمحسنين.
وبعبارة أُخرى : انّ آيات الطائفة الأُولى تدلّ على أنّ الله سبحانه يستحيل أن يساوي بين الصالحين والطالحين ، ولا بدّ أن يعدل بينهما ، ولكن أين ومتى يقع هذا العدل؟ لم تتطرق هذه الطائفة إليه ، ولكن آيات الطائفة الثانية تؤكد أنّ هذا الأصل «الثواب والعقاب» يتحقّق في فضاء ومحيط آخر ، حيث قال سبحانه :
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ). (١)
ويقول سبحانه :
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ * ... لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ). (٢)
فإنّ هذه الآيات وإن لم تتحدّث عن «العدل الإلهي» ولكن بالالتفات إلى آيات الطائفة الأُولى يمكن القول إنّ ذلك هو مقتضى العدل الإلهي.
وفي كلام أمير المؤمنين عليهالسلام إشارة إلى هذا المعنى حيث قال عليهالسلام :
«يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الأَوّلينَ وَالآخرينَ لِنِقاشِ الْحِسابِ وَجَزاءِ الأَعْمالِ». (٣)
__________________
(١). يونس : ٤.
(٢). إبراهيم : ٤٨ ـ ٥١.
(٣). نهج البلاغة : الخطبة ١٠٢.