وبما أنّ العباد قد انقسموا ـ من ناحية الطاعة ـ إلى طائفتين ، مطيعة وعاصية ، الأمر الذي يقتضي أن يوجد يوم يجمع فيه العباد على صعيد واحد ليحاسب فيه العاصون على مخالفتهم ويُثاب فيه المطيعون على طاعتهم.
وبعبارة أُخرى : انّ الربوبية تلازم العبودية ، وفي الحقيقة انّه تكمن في حقيقة العبودية المسئولية ، وإلّا لا معنى للمسئولية بدون المؤاخذة ، والمساءلة والاستجواب عن الأعمال والأفعال ، ولا شكّ انّ ذلك كلّه لا يمكن تصوّره من دون أن يكون هناك يوم يُعدّ للحساب والمساءلة والمؤاخذة ، ولذلك فإنّ هذا الأمر يقتضي أن يوجد ذلك اليوم الذي تتجلّى فيه ربوبية الله سبحانه ، ولعلّه من هذا المنطلق جاءت كلمة «الرب» في الآية المذكورة بدل كلمة «الله» أو «الخالق» أو ما شابه ذلك ، قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ). (١)
ولعلّه لنفس النكتة اعتبر في آية أُخرى إنكار المعاد ملازماً لإنكار الربوبية حيث قال سبحانه :
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ...) (٢).
وتتّضح من خلال البيان السابق الملازمة بين إنكار المعاد وإنكار الربوبية ، وذلك لأنّ الإنسان إذا سلم بأنّ له ربّاً وانّه مملوك لذلك الرب ، فلا ينبغي بحال من الأحوال أن ينكر أنّه لا بدّ أن يقف أمام هذا الرب والمالك للحساب والمساءلة والمؤاخذة ، وإلّا لا يمكن تصوّر مقام المالكية والربوبية والعبودية منفكّاً عن
__________________
(١). الانشقاق : ٦.
(٢). الرعد : ٥.